المغرب على حافة العطش الاقتصادي: حين تتحول الثروة إلى هشاشة (تقرير)

حسين العياشي
يحذّر تقرير حديث صادر عن “Clean Helpdesk” من هشاشة البنية الاقتصادية للمغرب أمام تحديات المناخ، في ظلّ الضغوط المتزايدة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الماء، والتبعية الكبيرة للفوسفاط والقطاع الزراعي. وبين وفرة الثروات الطبيعية وندرة الموارد الحيوية، يجد المغرب نفسه أمام معادلة صعبة: كيف يحوّل ثرواته إلى رافعة تنموية مستدامة بدل أن تتحول إلى مصدر هشاشة اقتصادية؟
رغم ما حققه المغرب من سمعة دولية كبلد يتوفر على إمكانات طبيعية ضخمة ويسير بخطى ثابتة في مسار الانتقال الأخضر، إلا أن التقرير الجديد يكشف عن واقع أكثر تعقيدًا. فالماء، هذا المورد النادر والحاسم، يشكل القاسم المشترك في كل مظاهر الهشاشة التي تطال الاقتصاد الوطني. ويستند التقرير إلى معطيات صادرة عن تقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية (CCDR)، ليؤكد أن التحول نحو نموذج تنموي مستدام لم يعد خيارًا بيئيًا فحسب، بل مسألة بقاء اقتصادي وشرط أساسي لاستمرار النمو.
يمتلك المغرب نحو 75% من احتياطي الفوسفاط في العالم، ما يجعله فاعلًا استراتيجيًا في الأمن الغذائي العالمي وخامس أكبر مصدر للأسمدة. غير أن هذه الثروة، كما يشير التقرير، تستهلك كميات ضخمة من الماء والطاقة، مما يجعلها أحد مصادر الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة. فاستغلال مورد استراتيجي بهذه الكثافة يفاقم في الوقت ذاته أزمة الندرة المائية، ويزيد من هشاشة الاقتصاد في مواجهة التقلبات المناخية. ويحذر التقرير من أن المغرب يعد من أكثر الدول تعرضًا لإجهاد مائي عالميًا، وهو ما يهدد قطاعات الزراعة والطاقة، بل وحتى التوازن الاقتصادي الكلي للبلاد.
ويشير التقرير إلى أن نسبة استغلال المياه الجوفية بلغت حوالي 30%، وهي نسبة مرتفعة تعكس ضغوطًا متنامية بسبب التوسع العمراني والطلب المتزايد على الري والنمو السكاني. ورغم الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في البنية التحتية المائية، تظل الفجوة في تزايد مستمر. ويكشف التقرير كذلك أن نحو 35% من الأصول الاقتصادية للمغرب معرضة مباشرة أو بشكل غير مباشر للمخاطر المناخية، ما يعني أن جزءًا كبيرًا من الثروة الوطنية يبقى هشًا أمام الجفاف وندرة المياه وتقلبات أسعار الغذاء والطاقة.
وفي مواجهة هذه التحديات، أطلق المغرب عدة مبادرات طموحة من أبرزها مخطط “غابات المغرب 2020-2030” الذي يهدف إلى إعادة تشجير مئات الآلاف من الهكتارات، واستعادة الأنظمة البيئية المهددة، وخلق فرص دخل جديدة في العالم القروي. كما عمل مخطط المغرب الأخضر على تعميم تقنيات الري بالتنقيط لتحقيق التوازن بين الإنتاجية والحفاظ على المياه. ورغم أهمية هذه الخطوات، يؤكد التقرير أن الجهود تظل محدودة الأثر ما لم تصبح إدارة الموارد المائية محورًا مركزيًا في السياسات العمومية، لأن التنمية المستدامة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق من دون إدماج الطبيعة في صميم القرار الاقتصادي.
ولا يتوقف التقرير عند الحالة المغربية فقط، بل يوسع نظرته إلى تجارب دول أخرى كـمصر وإندونيسيا وكينيا وفيتنام، حيث تتجلى التحديات المناخية في صور مختلفة، من ندرة المياه إلى إزالة الغابات، لكن النتيجة واحدة: الاقتصادات الناشئة تظل عرضة لصدمات المناخ ما لم تُدمج الأنظمة البيئية ضمن استراتيجيات التنمية.
وفي ختام التقرير، يبرز سؤال محوري: هل يستطيع المغرب أن يجعل من موارده الطبيعية رافعة للتنمية بدل أن تكون عبئًا على مستقبله؟ الجواب، كما يستشف من التحليل، يكمن في تبنّي رؤية جديدة تجعل من الماء والنظام البيئي أساسًا لأي مشروع اقتصادي. فالمستقبل، كما يحذر التقرير، لن يكون حليفًا لمن يملك الموارد فقط، بل لمن يعرف كيف يصونها ويُحسن استثمارها في زمن يتغير فيه المناخ بسرعة تفوق كل التوقعات.