المقيّمون العقاريون.. الحراس الجدد لشفافية السوق المغربي

حسين العياشي

يشهد السوق العقاري المغربي هذه الأيام طفرة نوعية لا تقتصر على بروز صناديق استثمارية جديدة بل تمتد إلى مهنة بكاملها أصبحت شرطًا لا غنى عنه لنجاح هذه التحولات: مهنة المُقَيِّمين العقاريين المُعتمَدين. خلف صيغ OPCI أو ما يعرف بمنظمات الاستثمار العقاري الجماعي تقف ضرورة واحدة لا تقبل التهاون، وهي معرفة دقيقة وقابلة للتحقق لقيمة الأصول العقارية، وهنا يبرز دور المُقيّم كمحور ثقة بين المستثمر والسلطة والقطاع المصرفي.

لم يعد تقييم العقار عملية «تخمين» عابرة؛ بل يتطلب سجلاً من الكفاءات والأدلة المنهجية. يشرح مالك بلقزيز، الشريك المؤسس لشركة Agenz واسمها ورد ضمن اللائحة الرسمية للخبراء المعتمدين هذا العام، أن «المُقيّم العقاري المُعتمد هو الطرف الثالث الذي يضمن شفافية السوق»، مؤكدًا أن مهمة المُقيّم تتجاوز إعلان رقم واحد لتشمل التقييم الدوري للأصول، وتحليل تدفقات الإيجار، ومرافقة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالشراء أو البيع أو التمويل.

تعمل منظمات الاستثمار العقاري الجماعي على تجميع رؤوس الأموال لاقتناء مزيج من العقارات التجارية والسكنية والفندقية بهدف تحقيق دخل دوري وتوزيعات للمساهمين. لكن لكي تظل هذه الآلية ذات مصداقية، تُلزم القوانين كل صندوق بإخضاع ممتلكاته لتقييمين مستقلين على الأقل سنويًا، وغالبًا ما يكون ذلك مرتين في السنة، ويجب أن يؤديه خبراء مرخصون من قبل وزارة المالية. النتيجة المطلوبة واضحة: قيمة موضوعية ومتحققة تسمح للمستثمر بفهم المخاطر والعوائد بدقة.

تتعدد أدوات العمل أمام هذا الخبير. يبدأ المُقيّم بالمقارنة بين عقارات مماثلة استُأجرت أو بُيعت مؤخراً، ثم ينتقل إلى طرق أكثر تعقيدًا مثل احتساب رأس المال القائم على دخل الإيجار أو خصم التدفقات النقدية المستقبلية للوصول إلى القيمة الحاضرة. يقول بلقزيز إن «الكفاءة والاستقلالية والخبرة هي بطاقة المرور»؛ إذ لا يكفي التوفر على أدوات، بل يجب إثبات الاستقلالية عن الأطراف المعنية وتقديم منهجية شفافة قابلة للتدقيق.

مع ازدياد أهمية OPCI ارتفعت أيضًا الحاجة إلى مقيمين معتمدين، وقد صدرت منذ فترة لائحة رسمية تضم أسماء وشركات٬ من بينها Agenz٬ ما يكشف عن دينامية متصاعدة في هذا الحقل. لكن الازدهار لا يخلو من تحديات؛ أبرزها ندرة مرجعية موحدة لأسعار الإيجار على مستوى السوق، وهو نقص يعقّد تقدير عوائد العقارات المخصصة للكراء. تقترح الهيئة المشرفة على الأسواق المالية طرقًا بديلة للتعويض عن الفراغ المعلوماتي، لكن المطلوب لدى المقيّمين هو قدرة دائمة على الموازنة بين بيانات ناقصة وتوقعات مرتفعة من الجهات الرقابية والمستثمرين.

التحديات الأخرى تتعلق بقاعدة بيانات موحدة وشفافة للأسواق المحلية، وبالتكوين المستمر للمقيمين لمواكبة التعقيدات المالية والعقارية، وبحزمة تنظيمية تضمن مساءلة فعالة وارتقاءً بمعايير الحياد المهني. وفي غياب مؤشر مرجعي للأجور الإيجارية، يتعين على القطاع العمل على بناء منصات تبادل بيانات، وتعزيز الرقمنة، وتيسير الوصول إلى معلومات السوق حتى يصبح تقييم الأصول عملية أسرع وأكثر موثوقية.

في نهاية المطاف، لا يمكن فصل مستقبل OPCI عن جودة التقييم العقاري. تقييم مستقل وموثوق هو ما يحوّل المنتج الاستثماري من وعد إلى واقع يمكن تسويقه وجذب رؤوس الأموال عبره. وإذا كان السوق المغربي يخطو اليوم خطوات واعدة نحو التحديث، فإن الرهان يبقى على بناء منظومة تقييم قوية، شفافة، ومؤطرة قانونياً وتقنياً، قادرة على دعم نمو مستدام وجذب استثمارات حقيقية تُحوّل العقار إلى رافعة اقتصادية موثوقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى