السيادة الغذائية المغربية بين تصريحات الحكومة وواقع الجفاف وارتفاع الأسعار

فاطمة الزهراء ايت ناصر

أكد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أن المغرب حرص، من خلال مختلف برامجه وإصلاحاته، على تعزيز السيادة الغذائية والرفع من تنافسية المنتوجات الفلاحية المغربية في الأسواق الوطنية والدولية، مع التشبث بمبدأ أساسي يتمثل في حماية المنتوج الوطني من أي تأثير سلبي قد يترتب عن الانفتاح التجاري.

وأوضح الوزير، في معرض جوابه على سؤال برلماني، أن الإنجازات المحققة خلال السنوات الأخيرة جاءت نتيجة تعبئة قوية للفلاحين والفاعلين في القطاع الفلاحي والغذائي في جميع مراحل سلاسل الإنتاج والتوزيع، ما مكن من تموين الأسواق الوطنية بشكل منتظم ومستمر بمختلف السلع والمنتوجات، وبكميات كافية وأسعار معقولة، رغم الصعوبات المرتبطة بندرة التساقطات وظروف الجفاف التي عرفتها البلاد.

وأضاف البواري أن المغرب حرص على تنويع شراكاته التجارية وتوسيع تعاونه الاقتصادي من أجل دعم التنمية وتحسين الميزان التجاري الوطني، مشيراً إلى توقيع مجموعة من الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية والدولية، من أبرزها الاتفاق الفلاحي المغربي الأوروبي، واتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، واتفاقية أكادير، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واتفاقية التبادل الحر مع الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب اتفاقية التبادل الحر الإفريقية القارية.

وأكد الوزير أن هذه الاتفاقيات مكنت من تبادل مزايا تفضيلية لولوج المنتجات الفلاحية إلى الأسواق الخارجية، مع الحرص في المقابل على حماية الإنتاج الوطني من المنافسة غير المتكافئة. وقد تم، في هذا الإطار، تحديد الكميات المسموح باستيرادها من بعض المواد الحساسة، ومتابعة عمليات الاستيراد بشكل دقيق لتفادي أي اختلالات في السوق الداخلية.

ولضمان هذا التوازن، أشار البواري إلى أنه تم الاعتماد على عدد من القوانين الرامية إلى حماية المنتوج الوطني وتأطير الانفتاح التجاري، أبرزها القانون رقم 14.91 المتعلق بالتجارة الخارجية، الذي ينظم عمليات الاستيراد والتصدير، ويتيح للإدارة اتخاذ تدابير وقائية ضد الإغراق أو الارتفاع المفاجئ في الواردات. كما يتماشى هذا القانون مع التزامات المغرب في إطار منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التبادل الحر الموقعة.

كما ذكر بالقانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الذي يهدف إلى ضمان شفافية السوق ومحاربة الممارسات المنافية للمنافسة كالتواطؤ والاحتكار، مع السماح للدولة بالتدخل عند الضرورة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين وضمان توازن السوق.

وأشار الوزير إلى أن وزارة الفلاحة تتابع عن كثب وضعية السوق الوطنية، سواء في ما يتعلق بتزويدها بالمنتوجات الفلاحية المحلية أو المستوردة، وتتخذ عند الحاجة الإجراءات اللازمة المنصوص عليها في القوانين الوطنية أو في الاتفاقيات الدولية، بهدف الحفاظ على التوازن التجاري وحماية المنتوج الوطني.

وأشار إلى أن القطاع الفلاحي يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، إذ يساهم بنسبة 13 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ويوفر نحو 30 في المائة من فرص الشغل على المستوى الوطني، منها 70 في المائة بالعالم القروي.

كما حققت الفلاحة المغربية، بفضل مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر، تقدما كبيرا على مستوى التنويع والعصرنة، مما مكن من بلوغ مستويات هامة من الاكتفاء الذاتي في عدد من المنتوجات الأساسية، مثل الحبوب بنسبة 53 في المائة، والسكر بنسبة 44 في المائة، والخضر والفواكه بنسبة 100 في المائة، مؤكدا أن هذه النتائج تعكس صلابة القطاع الفلاحي وقدرته على دعم الأمن الغذائي الوطني وتعزيز موقع المغرب ضمن الاقتصادات الفلاحية الصاعدة.

ويرى مراقبون أن السيادة الغذائية التي تتحدث عنها الحكومة لا يمكن اختزالها في الأرقام أو الاتفاقيات، بل تتجسد في قدرة المواطن المغربي على اقتناء غذائه اليومي بأسعار معقولة وفي ظروف مناخية صعبة.

فموجات الجفاف التي عاشتها البلاد خلال السنوات الأخيرة قلصت المساحات المزروعة وأضعفت الإنتاج الفلاحي، ما جعل المغرب يعتمد أكثر على الاستيراد لتأمين بعض المواد الأساسية، وهو ما يضعف مفهوم السيادة الغذائية الذي تؤكد عليه الحكومة في خطابها الرسمي.

وفي الوقت الذي يشير فيه الوزير إلى أن القطاع الفلاحي يساهم بنسبة 13 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي ويشغل 30 في المائة من اليد العاملة الوطنية، فإن واقع الفلاحين الصغار في القرى يعكس معاناة حقيقية من تراجع المردودية وارتفاع كلفة الإنتاج، في ظل محدودية الدعم العمومي وصعوبة الولوج إلى التمويل.

ومع كل موسم جفاف جديد، تتراجع آمال تحقيق اكتفاء ذاتي فعلي في عدد من المواد الأساسية التي تبقى رهينة لتقلبات المناخ وسوق التصدير.

ورغم التقدم المحقق بفضل مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر، فإن التحدي الأكبر اليوم، كما يشير مراقبون، هو جعل الفلاحة المغربية تخدم أولاً السوق الوطنية والمستهلك المغربي، لا أن تتحول إلى قطاع موجه للتصدير فقط. فالسيادة الغذائية، كما يؤكد الواقع، لا تتحقق بالتصريحات ولا بالأرقام الرسمية، بل حين يشعر المواطن بأن موائد المغاربة عامرة بالمنتوج الوطني وبأسعار عادلة ومنصفة.

وفيما يروج لمخطط المغرب الأخضر منذ انطلاقه عام 2008 كرافعة للتنمية الفلاحية، تشير تقارير ومراكز استطلاع الرأي إلى أن الواقع على الأرض يحمل جوانب انتقاد جادا.

فقد اعتبر تقرير من مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة بأن المخطط كرس أزمة إدارة المياه نتيجة تشجيعه الزراعات ذات الاستهلاك المرتفع للمياه في بلد يعاني شحا مائيا.

وكشف استطلاع للرأي أنتجه المركز المغربي للمواطنة أنّ نحو 94.2 ٪ من المشاركين يرون أن المخطط لم يتمكن من خفض أسعار المنتوجات الفلاحية، و89.3 ٪ غير راضين عنه بشكل عام.

إضافة إلى ذلك، شهدت توجها في تنفيذ المخطط نحو التصدير أكثر من الاهتمام بالكفاف المحلي، بحيث ذكر منتقدون أنه ركز على الزراعات ذات القيمة المضافة العالية والمياه الكثيفة، واهمل الزراعة المعيشية التي تُخدم المستهلك الوطني.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى