مفارقة مالية لافتة: حركة السير تنتعش.. وأرباح “الطرق السيارة” تتراجع للنصف

حسين العياشي

شهدت الأرباح الصافية الشركة الوطنية للطرق السيارة انهيارًا حادًا بلغ 44 في المائة، رغم الارتفاع الملموس في رقم معاملاتها. لتكشف بذلك مفارقة مالية لافتة بين الأداء التشغيلي الإيجابي والوضع المالي المثقل بالديون والتقلبات النقدية.

فقد أظهر التقرير المتعلق بالمؤسسات والمقاولات العمومية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2026، أن أرباح الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب لم تتجاوز 730 مليون درهم سنة 2024، بعد أن كانت أفضل بكثير في العام الذي سبق. أما في حساباتها الاجتماعية، فحتى دون احتساب أثر تقلبات سعر الصرف، تراجع صافي النتيجة بنسبة 36 في المائة ليصل إلى 678 مليون درهم فقط، وهو ما يعكس هشاشة مالية تراكمت على مر السنوات بسبب الديون الثقيلة التي بلغت حوالي 38 مليار درهم.

ومع ذلك، فإن المؤشرات التشغيلية لا تخلو من إشارات إيجابية. فحركة المرور عبر الطرق السيارة ارتفعت بنسبة 8 في المائة مقارنة بعام 2023، كما ارتفع رقم المعاملات بنسبة 18 في المائة مدفوعًا بتزايد عدد المعاملات في محطات الأداء. هذه الأرقام تبرز قدرة الشركة على تعزيز مواردها الذاتية، رغم الصعوبات المالية التي تخنقها. لكن الدين العمومي الذي يطوق عنقها ما يزال مرتفعًا للغاية، ولم يتراجع سوى بنسبة طفيفة لا تتجاوز 4 في المائة ليستقر في حدود 37.982 مليار درهم عند متم سنة 2024.

وفي مواجهة هذه الوضعية المعقدة، شرعت الشركة في إطلاق مرحلة جديدة من استراتيجيتها الممتدة إلى أفق 2030، تراهن من خلالها على التحضير لاحتضان المملكة لأحداث رياضية كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم سنة 2025 وكأس العالم سنة 2030. هذه الرؤية الجديدة تجسدت من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع الدولة للفترة 2025-2032، تتضمن برنامجًا استثماريًا ضخمًا تصل قيمته إلى 12.5 مليار درهم، يضاف إليه برنامج للإصلاحات الكبرى يُقدّر بـ4.4 مليارات درهم.

وتسعى الشركة إلى تنويع مصادر تمويلها بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الدولة، عبر إصدار سندات بقيمة 7.5 مليارات درهم دون ضمانة حكومية، وتعبئة موارد إضافية من خلال عملية توريق لعائدات الأداء بقيمة 7 مليارات درهم، إلى جانب قرض تفضيلي مضمون من الدولة بقيمة 2.2 مليار درهم مخصص للإصلاحات الكبرى.

أما على مستوى الاستثمارات الميدانية، فتتوقع الشركة ضخ ما يناهز 4.25 مليارات درهم قبل نهاية 2025، بزيادة تفوق 147 في المائة، لتوجيهها نحو مشاريع إستراتيجية من قبيل الطريق السيار الرابط بين تيط مليل وبرشيد، والطريق السيار القاري بين الرباط والدار البيضاء. كما تعتزم خلال الفترة ما بين 2025 و2028 تنفيذ استثمارات بقيمة 6.95 مليارات درهم، تشمل مشروع الطريق السيار القاري وعمليات التحول الرقمي وأتمتة الشبكة الوطنية للطرق السيارة.

ورغم ثقل الديون وضبابية المناخ المالي العالمي، يبدو أن الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب تراهن على الاستثمار الذكي والرقمنة واستدامة بنيتها التحتية، كمدخل أساسي لتجاوز تحدياتها المالية، ومواكبة الدينامية الوطنية الكبرى التي تستعد من خلالها المملكة لمرحلة جديدة من التحديث والتنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى