طموح كبير.. ونجاعة محدودة؟ الوجه الآخر لقانون مالية 2026 (دراسة)

حسين العياشي

في ورقة تحليلية أصدرها المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، تم تناول مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2026 من زاوية نقدية متبصّرة تجمع بين الاعتراف بطموح المشروع والتنبيه إلى حدود التنفيذ. فالوثيقة، رغم ما تحمله من نفس إصلاحي واضح وإرادة سياسية معلنة لبناء دولة اجتماعية عادلة، تُظهر في عمقها قلقًا خفيًا من قدرة الآليات الحالية على تحويل الأهداف الكبرى إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

تؤكد الورقة أن مشروع 2026 يُعبّر عن انتقال في فلسفة الدولة من “الراعية” إلى “المحفزة”، حيث تُركّز الميزانية على تعبئة الاستثمار المنتج والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوسيع مجالات التنمية الترابية المندمجة. غير أن هذا التحول البنيوي، رغم وجاهته، يصطدم بعقبات واقعية تتعلق ببطء وتيرة الإصلاحات الإدارية والجبائية، واستمرار التفاوتات المجالية والاجتماعية التي تعيق تحقيق العدالة المجالية المنشودة.

وتشير الدراسة إلى أن الأرقام الإيجابية التي يقدمها المشروع — من معدل نمو متوقع يبلغ 4.6 في المئة وعجز لا يتجاوز 3 في المئة — لا تكفي وحدها لقياس فعالية السياسة المالية، إذ يظل التحدي الأكبر في ضمان أثر مباشر لهذه المؤشرات على حياة المواطنين. فالمسألة، في جوهرها، لا تتعلق بتعبئة الموارد فقط، بل بقدرة الدولة على تحويل الإنفاق العمومي إلى قيمة مضافة تُترجم في جودة التعليم والصحة وفرص الشغل.

وترى الورقة أن تراكم الإصلاحات دون تقييم مرحلي يضعف من مردودها، وأن الإصلاح الجبائي، رغم شجاعته، يحتاج إلى تبسيط حقيقي وتفعيل ميداني يحدّ من البيروقراطية ويعزز الثقة بين الدولة والمقاولة. كما تنبه إلى أن العدالة المجالية لن تتحقق بمجرد زيادة الاعتمادات المالية للجهات، بل بتقوية قدراتها التدبيرية وضمان استقلاليتها الفعلية.

وتخلص الدراسة إلى أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يمثل خطوة طموحة نحو مغرب أكثر توازنًا وعدالة، لكنه يظل أمام اختبار صعب يتمثل في ترجمة الطموح إلى فعل، والرؤية إلى نتائج. فنجاح هذا المشروع لن يُقاس بحجم الأرقام أو حسن التقديرات، بل بمدى انعكاسه على حياة المواطن وثقته في قدرة الدولة على تحقيق التنمية التي تَعِدُ بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى