علنية اللجان البرلمانية على الطريقة المغربية: الكاميرا تشتغل.. والميكروفون صامت!

حسين العياشي

بعد سنواتٍ من التحفظ والتردّد، قررت رئاسة مجلس النواب أخيراً فتح أبواب اللجان الدائمة أمام عموم المواطنين، في خطوة وُصفت بأنها انتصار للحق الدستوري في الوصول إلى المعلومة ومتابعة الشأن العام. قرارٌ جاء بعد رفضٍ متكرر لمقترحات سابقة طالبت بجعل اجتماعات اللجان علنية ضمن النظام الداخلي للمجلس، ليبدو اليوم وكأنه تصحيح لمسار طال انتظاره.

لكن ما إن تحقق هذا المكسب، حتى تسلّل إلى المشهد ما يشبه المفارقة الساخرة. فبينما يُرفع شعار “العلنية والشفافية”، يجد المواطن نفسه أمام بث مباشر لا يُسمع فيه سوى الصمت، صوتٌ خافت إلى حد الغياب، وكأن هناك من أراد للقرار أن يكون شكلاً بلا مضمون، أو واجهة تجميلية لا أكثر.

هل هو عطب تقني عابر فعلاً، أم نية مبيّتة لإفراغ التجربة من معناها؟ سؤال يفرض نفسه بإلحاح، خاصة وأن ما يُناقَش داخل تلك اللجان ليس أموراً هامشية، بل مشاريع حاسمة تمس صميم حياة المواطنين، وتترجم اختيارات الدولة الاقتصادية والاجتماعية.

هذا السؤال يزداد إلحاحاً حين نعلم أن هذه اللجان لا تناقش أموراً عابرة، بل تُناقش في هذه الأيام أهم قانون في السنة السياسية: قانون المالية. الوثيقة التي تحدد أين تُصرف أموال الدولة، ومن تُوجَّه له الأولويات، ومن يُقصى من دائرة الاهتمام. كيف لمواطن يريد أن يراقب أداء ممثليه أن يتابع مداولات مصيرية بصور صامتة؟ وكيف يُفهم أن الصوت يكون واضحاً في الجلسات العامة، ثم يختفي فجأة حين ينتقل النقاش إلى اللجان، حيث تُتخذ القرارات الحقيقية؟

الأمر لا يقف عند البرلمان فحسب، بل يتكرر في البث المباشر للندوات الصحفية التي تلي اجتماعات المجلس الحكومي، حيث الصوت غالباً ما يكون منخفضاً إلى حدّ الغياب. وكأن ثمة من يحرص على أن تبقى المسافة قائمة بين المواطن والمعلومة، بين الصورة والمعنى، بين الشكل والمضمون.

الشفافية لا تعني فتح الكاميرا فقط، بل أن تُسمع الحقيقة كما هي، بلا تشويش ولا مواربة. فإن كان المجلس قد قرر أخيراً أن “يفتح صدره للمواطنين”، فليفتح أذنيه أيضاً ليستمع إلى حقهم في وضوح الصوت، لأن الصمت ـ حين يكون متعمداً ـ يصبح شكلاً جديداً من أشكال التعتيم.

ولعل السؤال الذي ينبغي أن يُطرح بجرأة اليوم: هل نعيش فعلاً بداية مرحلة جديدة من الانفتاح البرلماني، أم أننا أمام عرض تجميلي يُراد به تجميل الواجهة فقط، بينما جوهر الممارسة لا يزال يحنّ إلى الغموض القديم؟

إن البرلمان الذي يُفترض أن يكون مرآة الأمة لا يجوز أن يخاطبها بالإيماء والإشارة. فحق المواطن في المتابعة لا يُجزّأ، والشفافية لا تُختزل في الصورة وحدها. الصوت أيضاً حق، ومن دونه تبقى الديمقراطية صدى باهتاً لما كان يمكن أن يكون نقاشاً حقيقياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى