دعم الشباب المترشحين.. حين تتحول النية الحسنة إلى خطر على جودة التمثيل

إيمان غوجان
باحثة في العلوم السياسية
قيل ذات مرة في مقر حزب، من فم شاب قيادي: “باقي كنتسنى شي حد يقنعني بلي أي شاب يستحق يكون في البرلمان”. جملة اختصرت جوهر النقاش الدائر اليوم حول مشروع القانون التنظيمي الجديد للأحزاب السياسية، الذي جاء محملا بنية حسنة: تشجيع الشباب على الترشح للانتخابات من خلال تقديم دعم مالي خاص. خطوة قد تبدو للوهلة الأولى إصلاحية وطموحة، لكنها تطرح، عند التأمل، أكثر من علامة استفهام حول فلسفتها ونتائجها المحتملة. فهل يكفي المال لتحفيز مشاركة الشباب؟ وهل يمكن أن يتحول البرلمان إلى مختبر لتجريب الحماس بدل الكفاءة؟
البرلمان، كما يعرف الجميع، ليس مؤسسة رمزية، بل جهاز مسؤول عن التشريع ومراقبة الحكومة وتقييم السياسات العمومية والأكثر من هذا -الدبلوماسيةالموازية-. وهي مهام تحتاج إلى كفاءات مؤهلة، وإلى أشخاص يتوفرون على حد أدنى من التكوين المعرفي والسياسي. لذلك، فإن فكرة “دعم الشباب ماديا” يجب ألا تختزل في البعد المالي، لأنها قد تفرغ العملية الانتخابية من مضمونها، وتحولها إلى مجرد سباق شكلي -كما هي حاليا- يفتقر إلى العمق الفكري وتتنتج ماكينات انتخابية فقط لا ممثلي الامة بالمفهوم النبيل.
المثير للانتباه والمؤسف أن مشروع القانون لا يشترط أي مستوى تعليمي أو تكوين سياسي للمترشحين. وهذا الغياب يفتح الباب أمام مفارقة واضحة: كيف يمكن أن نتحدث عن تعزيز الديمقراطية من خلال دعم مرشحين قد لا يمتلكون الأدوات الأساسية لممارسة الدور البرلماني؟ فالديمقراطية لا تقوم على العمر أو الحماس فقط، بل على الفهم والقدرة على المشاركة الواعية في صناعة القرار.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل الواقع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه جزء مهم من الشباب المغربي، خصوصا المنتمين إلى فئة “NEET”، أي الشباب غير المنخرطين في التعليم أو التكوين أو الشغل. هذه الفئة تعاني من هشاشة متعددة المستويات، من ضعف التكوين إلى غياب التأطير، وهو ما يجعل إدماجها في السياسة عبر الدعم المالي وحده أمرا غير منطقي. فالسياسة تحتاج إلى بناء تدريجي، إلى تأطير ومعرفة، لا إلى قفز مباشر نحو المسؤولية البرلمانية (ويصبح البرلمان اداة لمحاربة البطالة كبرنامج فرصة واوراش..)
الخلل هنا أعمق من مجرد سوء تدبير. هو إشكال في تصور العلاقة بين التمثيل السياسي والكفاءة. فالدولة عندما تربط المشاركة بالدعم المالي فقط، فإنها تكرس منطق الكم على حساب الكيف. الأحزاب، رغم أعطابها، تبقى الإطار الطبيعي لتنشئة النخب، لأنها تتيح فرصة التعلم والممارسة والتدرب على الحوار والتفكير السياسي والتدرج في المسؤولية. أما الدفع بالشباب المستقلين مباشرة إلى الانتخابات دون تأطير حزبي أو تكوين مؤسساتي، فهو نوع من “التجريب” في مؤسسة لا تحتمل التجريب.
لا أحد يعارض مبدأ تمكين الشباب، لكن هذا التمكين لا يمكن أن يكون ماديا فقط. المطلوب اليوم هو تمكين معرفي وسياسي، يبدأ من المدرسة والجامعة والجمعيات والأحزاب، ويستمر في برامج تأهيل حقيقية تعد الشباب للمسؤولية، ومن تقوية الأحزاب لا الاستمرار في إضعافها. فالديمقراطية ليست في أن نملأ البرلمان بوجوه شابة، بل في أن نملأه بعقول قادرة على التفكير والفهم والمساءلة
إن دعم الشباب فكرة نبيلة في ظاهرها، لكنها قد تتحول إلى عبء إذا لم تربط بالكفاءة والتعليم والتنشئة السياسية. نعم المال قد يفتح الباب، لكنه لا يخلق النخب. والبرلمان لا يحتاج فقط إلى شباب، بل إلى شباب مؤهلين يعرفون معنى التشريع والمراقبة والمصلحة العامة.





