رسوم “التوقيت الميسر” تشعل غضب النقابات.. وسط تحذيرات من ضرب مجانية التعليم

حسين العياشي

تعيش الساحة النقابية والتعليمية في المغرب على وقع جدل متصاعد بعد قرار فرض رسوم تسجيل على فئة الموظفين والأجراء الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية بنظام “التوقيت الميسر”، وهو القرار الذي اعتبرته المنظمة الديمقراطية للشغل والمنظمة الديمقراطية للتعليم”سابقة خطيرة تهدد مجانية التعليم العمومي وتكرس منطق المتاجرة بالمعرفة”.

المنظمتان النقابيتان، المعروفتان بدفاعهما المستمر عن المدرسة والجامعة العمومية، وصفتا هذا الإجراء بأنه تراجع غير مبرر عن مكتسب وطني راسخ، معتبرتين أن فرض الرسوم على فئة من المواطنين الذين يسعون إلى تطوير معارفهم ومهاراتهم المهنية يمثل “ضربًا في الصميم لمبدأ تكافؤ الفرص” الذي نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011.

وفي تصريحات متطابقة لمسؤولي المنظمتين، شدد الطرفان على أن القرار يشكل “خرقًا واضحًا” للفصلين 31 و40 من الدستور، اللذين يُلزمان الدولة بتعبئة الوسائل اللازمة لتيسير الولوج المتساوي إلى التعليم الجيد دون تمييز، وبأن يتحمل الجميع التكاليف العمومية وفقًا لقدرتهم، لا على حساب حقوقهم الأساسية. كما اعتبرتا أن هذا التوجه يتنافى مع روح القانون 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، الذي يؤكد على الطبيعة العمومية للجامعات ومجانية خدماتها، ويحظر تحويلها إلى فضاءات ربحية تخضع لمنطق السوق.

وتحذر النقابتان من أن فرض رسوم مالية على الدراسة في إطار نظام “الوقت الميسر” لا يمكن تبريره بمبررات تنظيمية أو لوجستية، إذ يمثل في جوهره “محاولة لتفكيك ركيزة العدالة الاجتماعية” التي يضمنها التعليم العمومي، ويقوض أحد أهم مبادئ “التعلم مدى الحياة”. فالعديد من الموظفين والأجراء الذين استثمروا في دراستهم ليطوروا أداءهم المهني سيجدون أنفسهم، بحسب المنظمتين، عاجزين عن مواصلة تكوينهم بفعل الأعباء المالية الجديدة، مما يعيد إنتاج الفوارق الطبقية في الولوج إلى المعرفة.

وترى المنظمتان أن القرار يكرس نوعًا من “التمييز الفئوي” بين الطلبة العاملين وغير العاملين، ويعمق الفجوة الاجتماعية داخل الجامعة المغربية، التي من المفترض أن تظل فضاءً ديمقراطيًا مفتوحًا أمام الجميع. كما انتقدتا ما وصفاه بـ”منطق المتاجرة بالتعليم”، مؤكدتين أن الجامعة ليست مؤسسة ربحية، وأن الأرباح المحدودة التي قد تحققها مثل هذه الإجراءات لا توازي حجم الضرر الاجتماعي والنفسي الذي سيلحق بآلاف الموظفين الراغبين في تحسين مستواهم العلمي.

المنظمة الديمقراطية للشغل والفرع التربوي التابع لها اعتبرتا أيضًا أن هذا التوجه يتناقض مع الالتزامات الدولية للمغرب، ولا سيما المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تدعو إلى جعل التعليم العالي متاحًا للجميع تدريجيًا وبالمجان، إضافة إلى تقويضه للهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة الذي يضمن تعليماً جيدًا ومنصفًا ومتاحًا للجميع.

وفي ظل هذا الجدل، دعت المنظمتان الحكومة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى التراجع الفوري عن القرار، وإلى إصدار مذكرة تنظيمية واضحة تؤكد مجانية التعليم في جميع أسلاكه ومستوياته، حمايةً لحق دستوري لا يقبل المساومة. كما ناشدتا القوى الوطنية والنقابية والحقوقية إلى التوحد في مواجهة ما وصفتاه بـالانزلاق الخطير نحو خصخصة مقنعة للتعليم العمومي.

وأكدت المنظمتان في ختام موقفيهما عزمهما على خوض كل الأشكال النضالية، القانونية والميدانية، دفاعًا عن التعليم العمومي المجاني باعتباره أساس العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية. “فالتعليم،” كما جاء في ختام مواقفهما، “ليس سلعة تُشترى ولا امتيازًا يُمنح، بل حق أصيل لكل أبناء الوطن يجب أن تضمنه الدولة دون تمييز”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى