اليماني: مجلس المنافسة يتهرب من مواجهة الاحتكار في سوق المحروقات

حسين العياشي

عبّر الحسين اليماني، رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، عن قلقه العميق إزاء الأداء الضعيف لمجلس المنافسة في مواجهة الممارسات الاحتكارية لشركات المحروقات في المغرب. ورغم أن المجلس يتمتع بصلاحيات واسعة بموجب الدستور والقانون، التي تتيح له اتخاذ قرارات حاسمة في مجال الرقابة وحماية المنافسة، إلا أن اليماني يرى أن المجلس لا يفي بتطلعات المواطنين ولا يلتزم بتطبيق القانون بشكل صارم. في هذا السياق، طرح اليماني عدة أسئلة جوهرية، مستعرضاً العديد من النقاط التي يعتبرها أساسية لفهم الوضع الراهن في قطاع المحروقات وسبل معالجته، في وقت بات فيه هذا القطاع يشكل تهديداً حقيقياً للقدرة الشرائية للمواطنين وللاستقرار الاقتصادي في البلاد.

رغم أن الدستور المغربي والقانون المنظم لمجلس المنافسة قد منحاه صلاحيات واسعة، حيث ارتقى من صلاحيات استشارية إلى صلاحيات ضبطية وتقريرية، فإن اليماني يشير إلى أن المجلس لا يزال يتجنب اتخاذ إجراءات حاسمة. على الرغم من وجود شكاوى رسمية قدمتها النقابات والهيئات المهنية، كما في حالة الشكاية التي قدمتها النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي في نونبر 2016، إلا أن المجلس لم يبدِ الجدية الكافية في معالجة القضايا المطروحة، بل اكتفى بإصدار تقارير غير حاسمة وتجنب الإجابة على الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الرأي العام.

في القضية الخاصة بممارسات الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، سلك مجلس المنافسة مسطرة التصالح والغرامة، حيث فرض غرامة مالية بلغت 1.8 مليار درهم على الشركات التسع الكبرى مقابل أرباح فاحشة تقدر بنحو 90 مليار درهم حتى نهاية 2025. لكن اليماني يعتبر أن هذه الخطوة كانت غير كافية ولم تفضِ إلى تغييرات جوهرية في ضبط الأسعار. فالمجلس، بحسب قوله، لم يطرح الأسئلة الأساسية التي تهم المواطنين: هل تحققت فعلاً انخفاضات في أسعار المحروقات منذ تحرير السوق في 2015؟ ولماذا لم يُتخذ أي إجراء صارم ضد الشركات التي تستمر في ممارسات قد تشكل انتهاكاً لقانون المنافسة؟

من بين الأسئلة الأخرى التي طرحها اليماني، هو هل توقفت الشركات التسع عن التفاهم غير المشروع حول أسعار المحروقات؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا لم يطبق المجلس عقوبات صارمة؟ ولماذا يبقى مجلس المنافسة في موقف المتفرج رغم أن الوضع يشير إلى تكرار نفس الممارسات ووجود تصالحات سطحية لم تؤثر في جوهر المشكلة؟ اليماني يشدد على أن التسوية الودية لا تعكس الحقيقة بل تساهم في تأبيد الوضع القائم، الذي يضر بالمستهلكين ويكبدهم خسائر مالية.

كما يثير اليماني تساؤلات حول هوامش الأرباح التي أشارت إليها التقارير، والتي تشير إلى أن الأرباح قد تضاعفت أكثر من ثلاث مرات مقارنة بما كانت عليه قبل تحرير السوق. ويرى أنه في الوقت الذي تحققت فيه هذه الأرباح الضخمة، كان من الضروري على المجلس أن يقوم بتحليل دقيق للبيانات المالية للشركات، وأن يأخذ بعين الاعتبار أرباحها الصافية، واحتياطاتها المالية، واستثماراتها، وتراجع مستوى ديونها. لكن المجلس، بحسب اليماني، لم يلتفت إلى هذه النقاط، مما يثير الشكوك حول قدرته على القيام بدوره الرقابي على النحو المطلوب.

وفيما يتعلق بتجربة تحرير سوق المحروقات، يعتقد اليماني أن هذه التجربة كانت كارثية على المواطن المغربي، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار المحروقات بشكل غير مبرر، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمغاربة. وبناءً على ذلك، يدعو اليماني إلى إجراء دراسة موضوعية محايدة حول آثار تحرير السوق على المواطنين، وخاصة في ظل دعوات بعض الأطراف إلى تحرير قطاعات أخرى مثل الغاز والكهرباء. هذه الدعوات، كما يرى اليماني، قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وزيادة الفقر، وتهديد الاستقرار الاجتماعي في البلاد. ويطالب اليماني بإيجاد حلول بديلة تكون أكثر نجاعة في حماية المواطن من التحديات الاقتصادية المتزايدة.

أما عن تراجع مجلس المنافسة عن توصياته السابقة، والتي أكدت على أن سوق المحروقات المغربية تتميز بتركيز واحتكار عالٍ، فيشير اليماني إلى أن هذا التراجع يعكس ضعف المجلس في مواجهة التحديات الهيكلية في السوق. خاصة بعد تعطيل مصفاة سامير التي كانت تشكل ركيزة أساسية في ضمان المنافسة في هذا القطاع. ويؤكد اليماني أن هذه الشركات الكبرى لا تزال تتحكم في السوق بشكل شبه كامل، ما يؤدي إلى استمرار غياب المنافسة الحقيقية وارتفاع الأسعار على حساب المستهلكين.

في الختام، يشدد الحسين اليماني على أن دور مجلس المنافسة في حماية الاقتصاد الوطني وحماية المستهلكين يجب أن يكون أكثر وضوحاً وحزماً. ومن خلال تحليله للوضع الحالي، يدعو إلى ضرورة مراجعة السياسات المعتمدة في تحرير السوق، والعمل على تحقيق توازن حقيقي بين مصلحة الشركات والمواطنين، بما يضمن حماية القدرة الشرائية والاستقرار الاجتماعي في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى