الفتحاوي تكشف “فوضى تسعيرة الأدوية” في الصيدليات وتطالب بفتح تحقيق عاجل

حسين العياشي
امتد موجة الأسعار المرتفعة لتصل إلى رفوف الصيدليات، حيث سجلت مؤخراً زيادات متتالية في أسعار عدد من الأدوية الأساسية، ما زاد من تعميق القلق بشأن قدرة المواطنين، خاصة ذوي الأمراض المزمنة، على تحمل تكاليف العلاج. فقد أصبح هؤلاء المرضى في مواجهة فاتورة صحية ترتفع في وقت يتراجع فيه دخلهم، ما يهدد استقرارهم المعيشي.
وكانت آمال الكثيرين معلقة على إصلاحات حكومية وعدت بها الحكومة منذ يوليوز الماضي لتحسين نظام تسعير الأدوية، في خطوة كانت تهدف إلى تخفيف العبء عن المواطنين. ولكن تلك الآمال سرعان ما تحولت إلى تساؤلات مشروعة، بعدما أثار سؤال برلماني للنائبة نعيمة الفتحاوي جدلاً واسعاً، حيث أشارت إلى ما اعتبرته “فوضى تسعيرية” داخل الصيدليات، وتفاوتات غير مبررة في أسعار بعض الأدوية. ورأت الفتحاوي أن الوزارة لم تقم بتحديث اللوائح الرسمية المتعلقة بأسعار الأدوية، ما يساهم في غياب الشفافية ويزيد من تفاقم الوضع.
وأكدت البرلمانية أن هذه الزيادات تؤثر بشكل مباشر على حق المواطنين في الحصول على العلاج، وهو حق كفله الدستور المغربي، كما تشكل انتهاكاً لقانون حماية المستهلك الذي يفرض ضرورة إعلام المواطنين بالأسعار الحقيقية للأدوية. وطالبت بفتح تحقيق شامل يتتبع مسار الزيادات، بدءاً من سلاسل الإنتاج والاستيراد وصولاً إلى مرحلة التوزيع. ودعت إلى تفعيل المراقبة الميدانية طبقاً للقانون 17.04، مع فرض إلزامية تحديث أسعار الأدوية في الصيدليات بشكل دوري.
هذا الجدل ليس الأول من نوعه في المنظومة الدوائية المغربية. ففي يوليوز الماضي، كشفت مصادر مهنية وحقوقية عن وجود ما وصفته بـ”جيوب مقاومة” داخل القطاع تعرقل أي محاولة جادة لخفض أسعار الأدوية، رغم إقرار الحكومة نفسها بأن بعض الأدوية مرتفعة الأسعار بشكل غير مبرر، حيث تصل أسعار بعض الأصناف إلى أربعة أضعاف نظيرتها في دول أخرى. وهو ما أكده أيضاً الوزير المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، الذي أشار إلى وجود ممارسات احتكارية في قطاع الأدوية، جعلت هذا القطاع بعيداً عن منطق المنفعة العامة.
وأكدت المصادر نفسها أن بعض الشركات المصنعة أوقفت إنتاج أكثر من 600 نوع من الأدوية بسبب ما يسمى بـ”منطق الربح”، وهو ما يعمق الأزمة الصحية في البلاد. ففي ظل الغلاء، يعاني المرضى أيضاً من نقص حاد في الأدوية الضرورية، مما يضعهم في أزمة مزدوجة بين ارتفاع الأسعار وقلة التوفر. كما تم توجيه أصابع الاتهام إلى الصيدليات والشركات المصنعة، حيث يُعتقد أن هذه الأطراف قد تكون وراء تعطيل الإصلاحات المتعلقة بتسعير الأدوية وإعادة هيكلة طرق توزيعها.
من جانبها، لم تتردد المنظمات المدنية في تحميل جزء من المسؤولية للحكومة، معتبرة أن تصريحاتها بشأن ارتفاع أسعار الأدوية “بأربع مرات” تكشف عن حجم الخلل في المنظومة الدوائية. وشددت هذه المنظمات على أن تأجيل الإصلاحات يعمق معاناة المرضى، ويضرب بشكل جدي جهود الحماية الاجتماعية في العمق. بينما أكدت فعاليات حقوقية أن التعامل مع الأدوية كسلعة تجارية يخضع لمنطق العرض والطلب يتناقض تماماً مع حقوق الإنسان، خاصة الحق في الحياة والعلاج، وهو ما يفتح الباب أمام ممارسات غير أخلاقية تهدد الصحة العامة.
وسط هذا الواقع المقلق، تظل أسئلة مشروعة حول مصير إصلاحات نظام تسعير الأدوية ومتى ستتحقق.





