
إعلام تيفي ـ تقرير
يواجه ورش الحماية الاجتماعية في المغرب تحديات عميقة تعرقل مسار تعميمه ونجاعته، رغم كونه من أضخم الأوراش الاجتماعية التي أُطلقت في تاريخ المملكة.
هذا ما كشف عنه تقرير تنفيذي حديث، أنجزه المركز المغربي للحكامة والتسيير بشراكة مع المؤسسة الألمانية “كونراد أديناور”، ووقعه الباحث الاقتصادي يوسف كراوي الفيلالي، الذي أكد أن هذا الورش الملكي، المُعلن عنه في أبريل 2021، يصطدم بإشكالات تتعلق بالتمويل والحكامة واستهداف الفئات الهشة، إلى جانب صعوبة إدماج القطاع غير المهيكل في المنظومة الرسمية.
ويبرز التقرير أن الهدف الاستراتيجي من هذه الإصلاحات هو ضمان الولوج العادل لكل مواطن مغربي إلى خدمات العلاج والتعويضات العائلية والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل، بما يحول الحماية الاجتماعية إلى رافعة لتنمية الرأسمال البشري وتعزيز التماسك الاجتماعي.
غير أنّ تحقيق هذا الطموح يظل رهينا بحل عقدٍ مهيكلة، على رأسها محدودية الموارد المالية، وتعقيدات نظام الاستهداف الاجتماعي، واستمرار التفاوتات المجالية في الخدمات الصحية التي لا تزال مركزة في المحاور الحضرية الكبرى.
ويرصد التقرير معطيات رقمية مقلقة حول التغطية الصحية، فبحلول شتنبر 2024، ظل حوالي خمسة ملايين مواطن خارج أي منظومة للتأمين الصحي، وهو رقم يعكس حجم العمل المتبقي.
الأخطر من ذلك ـ بحسب التقرير ـ بروز ظاهرة الحقوق المغلقة، حيث يوجد 3.5 ملايين منخرط محرومين من الاستفادة الفعلية بسبب اختلالات إدارية وعدم انتظام الاشتراكات، لاسيما وسط العمال المستقلين، الذين يشكل هؤلاء منهم نسبة 66%، ما يطرح تساؤلات حول جودة إدماجهم في الإصلاح.
ويحذر التقرير أيضا من اختلالات التوازن المالي للصناديق الاجتماعية. فقد سجل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي عجزا مستمرا بلغ 1.28 مليار درهم سنة 2023، بينما يعيش نظام التقاعد وضعاً بالغ الحساسية نتيجة تعادل عدد المنخرطين والمستفيدين، وهو أمر يهدد استدامته على المدى المتوسط. كما يظل القطاع غير المهيكل، الذي يشغل 2.5 مليون شخص خارج المنظومة القانونية، نقطة ضعف كبرى تعيق توسيع الوعاء المالي للمنظومة.
ويتوقف التقرير عند ثغرات كبيرة في شبكة الأمان الاجتماعي تمس فئات حساسة، من بينها كبار السن، حيث إن 60% من الساكنة النشيطة غير مشمولة بنظام التقاعد، ما ينذر بأزمة مستقبلية لشيخوخة بلا دخل قار.
كما لا يستفيد 65% من الأشخاص في وضعية إعاقة من التغطية الصحية بالرغم من الإطار القانوني المخصص لهم، فيما تظل شروط الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل معقدة لدرجة يتم فيها رفض نصف الطلبات المقدمة.
ويخلص كراوي الفيلالي إلى أن تجاوز هذه التحديات يستدعي الانتقال من التدبير التقني للإصلاح إلى ميثاق اجتماعي جديد يعيد الثقة للمواطن، ويضمن عدالة توزيع الخدمات والموارد بين الجهات، ويرتكز على حكامة فعّالة وتمويل مستدام.
كما دعا إلى توحيد صناديق التغطية الصحية، ومراجعة آليات السجل الاجتماعي الموحد بما يكفل استهدافاً أكثر إنصافاً، حتى لا يتحول الحق في العلاج إلى امتياز تحدده الجغرافيا والموقع الاجتماعي.
ويؤكد التقرير، في ختام صفحاته الـ33، أن نجاح هذا المشروع الملكي الطموح يظل ممكناً، لكنه يتطلب تسريع الإصلاحات الهيكلية وتعبئة جماعية تجعل من الحماية الاجتماعية ركيزة مركزية للتنمية ودرعاً واقياً للفئات الهشة، وفق ما تقتضيه المعايير الدولية وتنتظره فئات واسعة من المجتمع المغربي.





