خبراء يحذرون: مقاومة المضادات الحيوية قد تودي بحياة شخص كل ثلاث ثوانٍ بحلول 2050

حسين العياشي

مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية أصبحت واحدة من أكبر التحديات الصحية في العالم، ولم يعد هذا الخطر مقتصرًا على دول معينة، بل أصبح يطال جميع البلدان دون استثناء.

في المغرب، تتزايد المخاوف من تنامي هذه الظاهرة بشكل كبير، إذ أصبح من الواضح أن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية قد وصلت إلى مستويات مقلقة تهدد النظام الصحي في البلاد، وقدرة القطاع الصحي على مواجهة الأمراض بفعالية.

أكد المشاركون في الندوة العلمية التي نظمتها جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض (AESVT Maroc) وجمعية “وان هيلث” المغرب (One Health Maroc) أن مقاومة مضادات الميكروبات تمثل تهديدًا عالميًا.

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن مقاومة المضادات الحيوية تسبب حوالي 700 ألف حالة وفاة سنويًا حول العالم، بينما تشير التوقعات إلى أن هذا الرقم سيرتفع بشكل كبير في المستقبل. في المغرب، ورغم خطورة الوضع، لا توجد دراسة وطنية شاملة لقياس حجم المشكلة بدقة.

وقد أظهرت الدراسات الجزئية في المستشفيات نسب مقاومة مرتفعة للغاية قد تصل في بعض الحالات إلى 50% أو أكثر، مما يعكس تفشي الظاهرة في العديد من القطاعات.

وفي السياق ذاته، استعرض الخبراء الأسباب التي أدت إلى تفشي مقاومة المضادات الحيوية في المغرب، وأشاروا إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والطبية التي أسهمت في زيادة المشكلة.

من أبرز هذه العوامل انتشار ظاهرة التطبيب الذاتي، حيث يعمد العديد من الأشخاص إلى تناول المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، مما يؤدي إلى عدم اتباع الجرعات المناسبة أو توقيت العلاج بشكل صحيح. كما أشار المشاركون إلى أن بعض المرضى يتوقفون عن تناول المضادات الحيوية قبل انتهاء مدة العلاج المقررة، ما يسهم في بقاء بعض البكتيريا المقاومة للمضاد في الجسم وتكاثرها.

إضافة إلى ذلك، هناك تمثلات اجتماعية خاطئة حيث يعتقد البعض أنه إذا لم يصف الطبيب مضادًا حيويًا، فإن ذلك يعني أن الطبيب غير كفء. هذه المفاهيم الخاطئة تساهم في زيادة طلب الناس على المضادات الحيوية رغم عدم الحاجة إليها. كما أكد الخبراء أن هناك تراجعًا في بعض المناطق من حيث الالتزام بالعادات الصحية الأساسية مثل النظافة الشخصية، مما يعزز من خطر انتشار العدوى الميكروبية.

على مستوى المنظومة الصحية، تم التأكيد على أن هناك ممارسات مقلقة تشمل وصف المضادات الحيوية بشكل مفرط من قبل الأطباء، وهو ما يؤدي إلى زيادة الضغط على المضادات الحيوية ويزيد من فرص تطور البكتيريا المقاومة. ورغم وجود قوانين تمنع بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، فإن الواقع يشير إلى استمرار هذه الممارسات في العديد من الصيدليات، ما يعزز من انتشار المقاومة.

من جهة أخرى، تم التأكيد على دور القطاع الفلاحي في تفشي مقاومة المضادات الحيوية، حيث يتم استخدام المضادات بشكل مفرط في تربية المواشي، سواء لأغراض علاجية أو غير علاجية.

وقد أشار الخبراء إلى أن هذه الممارسات تؤدي إلى انتقال البكتيريا المقاومة من الحيوان إلى الإنسان، مما يزيد من تعقيد المشكلة. كما لوحظ أن هناك غيابًا للرقابة على استخدام هذه المضادات في الزراعة وتربية الحيوانات، ما يساهم في زيادة معدلات المقاومة.

وأما في الجانب البيئي، فقد أشار المشاركون إلى أن مياه الصرف الصحي، والنفايات الصناعية والطبية، وتربية الماشية المكثفة كلها تسهم في نشر الجراثيم المقاومة. كما أن تلوث البيئة يمثل أحد العوامل الأساسية التي تعزز من قدرة البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية. وحذّر الخبراء من أن مقاومة المضادات الحيوية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي، الأمر الذي يفاقم من خطر تفشي العدوى البكتيرية المقاومة.

وبالنسبة للتوقعات المستقبلية، أكد الخبراء أن الوضع قد يتفاقم بشكل كبير بحلول عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية. تشير الدراسات العلمية إلى أنه في المستقبل القريب، قد يموت شخص كل ثلاث ثوانٍ بسبب عدوى بكتيرية لا تستجيب للعلاج بسبب مقاومة المضادات.

في ضوء هذا الوضع المقلق، شدد المشاركون على ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة هذه الأزمة الصحية. من بين هذه التدابير، يجب نشر بيانات وطنية دقيقة حول مقاومة المضادات الحيوية واستهلاكها، وتطوير نظام موحد للمراقبة يشمل المستشفيات والصيدليات والمزارع والمياه العادمة. كما يجب تكثيف جهود التفتيش ومنع بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وتنظيم استخدامها في الفلاحة والتأكد من عدم استخدامها لأغراض غير علاجية.

في هذا السياق، أكّد الخبراء أيضًا على ضرورة تبني مقاربة “صحة واحدة” والتي تجمع بين وزارات الصحة والفلاحة والبيئة، لضمان تنسيق السياسات الوطنية والمحلية لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية. كما تم التأكيد على أهمية التوعية المجتمعية من خلال إطلاق حملات كبرى ضد التطبيب الذاتي، وإدماج موضوع مقاومة المضادات الحيوية في المناهج الدراسية، وخاصة في مادة علوم الحياة والأرض، لرفع الوعي لدى الأجيال القادمة حول خطورة هذه المشكلة الصحية.

من خلال هذه الإجراءات، يمكن أن يكون للمغرب دور فعال في الحد من مقاومة المضادات الحيوية، وبالتالي حماية صحة مواطنيه وضمان استدامة النظام الصحي في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى