الحلقة (4): حصيلة أحزاب الأغلبية في وجدة.. تمثيلية برلمانية بنكهة الصفر

حسين العياشي

اقتربت الولاية التشريعية الحادية عشر من نهايتها، ومدينة وجدة ما زالت في غرفة الإنعاش، لكن أصوات من يفترض أنهم يمثّلونها تحت القبة ما زالت على وضعية الصامت. هذه الحلقة لن تتوقف عند نائب واحد، بل عند “ثلاثية الأغلبية” في دائرة وجدة أنجاد: محمد هوار (الأحرار)، عصام عيساوي (الاستقلال)، وبديعة الفيلالي (الأصالة والمعاصرة). ثلاثة أحزاب، ثلاث شعارات مختلفة.. وحصيلة واحدة مشتركة: صفر سؤال شفوي خلال أربع سنوات التي مرّت. صفر ثمين كلفنا ما يفوق 5 ملايين درهمًا (500.000.000 سنتيم)، إلى حدود تاريخ كتابة هذا المقال.

وجدة، المدينة الحدودية التي تدفع منذ عقود ثمن الحدود “المْبَلْعَا”، تعرف ما معنى البطالة، جمود الاستثمار، وهجرة الشباب، أكثر مما تعرف لغة الأرقام اللامعة في البلاغات الرسمية. الإقليم يعيش منذ سنوات على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية مزمنة، زادتها التوترات الإقليمية وإغلاق الحدود منذ 1994 تعقيدًا، فاختنق الاقتصاد المحلي، وتضررت الحركة التجارية، وازداد نزيف الهجرة. وسط هذا الواقع، كان من الطبيعي أن يكون نواب الأغلبية عن وجدة في الصف الأول من المترافعين عليها في العاصمة الرباط.. لكن لوحة النتائج في خانة الأسئلة الشفوية تقول شيئًا آخر تمامًا.

في ركن التجمع الوطني للأحرار، يجلس محمد هوار، نائب عن وجدة أنجاد وعضو لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين بالخارج. رجل يعرفه الشارع الوجدي أكثر بصفته رجل أعمال ورئيسًا سابقًا لمولودية وجدة لكرة القدم، النادي الذي عاش خلال فترة تسييره أزمات متتالية، من إضرابات اللاعبين بسبب الأجور المتأخرة، إلى أجواء توتر انتهت باستقالته من رئاسة النادي ثم من رئاسة اللجنة المؤقتة لاحقًا، قبل أن تسند رئاسة النادي إلى أسماء أخرى لانقاذ ما تبقى من المولودية.

بمعنى آخر، محمد هوار كان – ولسنوات – حارس مرمى سياسي ومالي لمولودية وجدة، يتلقى أهداف الأزمة من كل الجهات، قبل أن يرفع يده معلنًا “الاستقالة”، تاركًا النادي يغرق في القسم الثاني. وفي الوقت الذي كان فيه وجديون يتابعون أخبار الأجور العالقة وأزمات التسيير في مكاتب النادي، كان نائبهم البرلماني يضبط توقيته أكثر على إيقاع الجمعيات العمومية والبلاغات الرياضية، لا على جلسات الأسئلة الشفوية في البرلمان.

هذا لا يعني أنه غائب تمامًا عن المشهد السياسي؛ الرجل نشيط في اللقاءات الحزبية، يعقد الاجتماعات، يستقبل الوزراء في وجدة، لكن السؤال البسيط هو: لماذا تبقى كل هذه “الجرأة الخطابية” حبيسة القاعات الحزبية، ولا تتحول إلى سؤال شفوي واحد مباشر تحت قبة البرلمان، يسمعه الوزير نفسه على الهواء، وينصت إليه الرأي العام؟

في جهة الأصالة والمعاصرة، نجد بديعة الفيلالي، نائبة برلمانية منذ ولايتين على الأقل، وحاصلة على مقعدها الحالي بعد تصدرها نتائج الانتخابات التشريعية بدائرة وجدة أنجاد سنة 2021، بأكثر من 17 ألف صوت. أي أن عشرات الآلاف من الوجديين قرروا أن يمنحوها وكالة مباشرة للحديث باسمهم في الرباط.

حتى لا نظلم أحدًا، يجب التنبيه إلى أن بديعة الفيلالي تحركت مؤخرًا عبر سؤال كتابي موجه لوزير الداخلية حول تردي الوضع الأمني في وجدة. خطوة تحسب لها – ولو متأخرة – لكنها تطرح سؤالاً مضاعفًا: إذا كانت قادرة على كتابة سؤال عن الأمن، فلماذا تعجز عن طرح سؤال شفوي واحد عن الاستثمار، أو الصحة، أو البطالة، أو المستشفى الجامعي، أو أوضاع الشباب؟ هل المشكلة في “الميكروفونات”، أم في قرار سياسي واعٍ بتفادي الإحراج العلني للحكومة التي تشارك أحزابُها في قيادة الأغلبية؟

أما مقعد حزب الاستقلال، فقد انتقل حديثًا إلى الدكتور عصام عيساوي، بعد تعيين عمر حجيرة كاتبًا للدولة مكلفًا بالاستثمار الخارجي. عيساوي طبيب مختص في طب النساء والتوليد، دخل حديثًا إلى البرلمان. الرجل، مثل كثير من الأطر التي تقفز من العيادة إلى قبة البرلمان، يبدو مشغولاً أكثر بتثبيت أقدامه داخل التنظيم الحزبي – من خلال رئاسة لجان داخل روابط الأطباء الاستقلاليين وأنشطة حزبية محلية – من الانخراط في مساءلة الحكومة مباشرة تحت قبة البرلمان.

هكذا تتشكل “ثلاثية الصمت” في دائرة وجدة أنجاد: نائب رياضي/سياسي ملتصق بعالم الكرة أكثر من التصاقه بمقاعد التشريع؛ نائبة مخضرمة تفضل الكتابة في الهامش على الكلام في العلن؛ وطبيب استقلالي جديد يفضّل إلى الآن التأقلم الهادئ على الصدام السياسي تحت القبة. ثلاثة أحزاب مختلفة، لكن النتيجة في خانة الأسئلة الشفوية لوجدة واحدة: صفر.

ومع ذلك، ورغم هذا الفراغ الصارخ، سنكون “طيبين” في هذه الحلقة: لن نغوص – إلى الآن – في لوائح الحضور والغياب بالتفصيل، حفاظًا على ما تبقّى من ماء وجه البعض. فالقصة لا تتعلق فقط بعدد مرات رفع اليد عند التصويت أو عدد الكراسي الدافئة في القاعة، بل تتعلق بفلسفة كاملة في فهم التمثيل السياسي: فكيف تحوّل البرلماني من محامٍ علني عن مدينته ودائرته، إلى آلة للتصويت ينحصر دورها على رفع اليد وإضفاء الشرعية القانونية على مقترحات الحكومة؟

لو فتحنا اليوم ملف الحضور والغياب بالدقائق والساعات، لربما اكتشفنا أن “الصفر الشفوي” ليس سوى رأس الجبل الجليدي. لذلك سنترك هذه الورقة جانبًا مؤقتًا، إمهالًا لا إهمالًا؛ حتى يعطي نواب وجدة إشارة حياة برلمانية حقيقية. وإلا، فستتحول دائرة وجدة إلى حالة نموذجية تُدرَّس في حلقات قادمة: كيف يمكن لمدينة منكوبة أن تُدار برلمانيًا عن بُعد، وبصمت.

المؤلم في كل هذا أن المشاكل التي تحتاج فقط لمن يتبناها تحت القبة واضحة ومباشرة: وجدة تعاني من أزمة تشغيل خانقة، من نزيف هجرة، من هشاشة في البنية الاقتصادية، من تأثير الانكماش الحدودي على التجارة ومداخيل الأسر، ومن شعور متزايد بأن المدينة تُركت على هامش الخريطة الاقتصادية الوطنية. في المقابل، ما يصل من الرباط هو صور لنواب الأغلبية وهم يبتسمون في أنشطة حزبية، أو جلسات رسمية، دون أن يترك ذلك أثرًا ملموسًا في محاضر جلسات الأسئلة الشفوية.

ليس المطلوب من برلماني وجدة أن يحل كل مشاكل المدينة بين ليلة وضحاها، ولا أن يعلن الثورة في كل جلسة، لكن المطلوب على الأقل أن يسمع الناس أصواتهم وهم يطرحون أسئلة واضحة للحكومة: لماذا لا تأتي الاستثمارات إلى الشرق؟ ما مصير الوعود بخلق فرص الشغل؟ ماذا عن وضع المستشفى الجامعي، والنقل، والثقافة، والرياضة، والبنية التحتية المهترئة؟ الأسئلة مجانية، ولا تحتاج إلى ميزانية، فقط تحتاج إلى شجاعة.

في المقابل، ما نراه هو العكس تقريبًا: نواب أغلبية لا يزعجون أحدًا، لا الحكومة تُحرج بأسئلة مباشرة، ولا الوزراء يُربكون بأرقام مزعجة، ولا حتى الرأي العام يسمع أن في وجدة من يدق الطاولة من أجله. كل شيء يجري “بسلاسة”: أصوات انتخابية تؤدي إلى مقاعد برلمانية، مقاعد تؤدي إلى الصمت، صمت لا يؤدي إلى أي شيء.. إلا مزيد من فقدان الثقة في السياسة والأحزاب.

الحلقة الرابعة إذن ليست مجرد تمرين في تفكيك المشهد السياسي، بل إنذار مبكر: إذا استمرت حصيلة نواب الأغلبية عن دائرة وجدة على هذا المستوى، وإذا استمر رهانهم على أن “لا أحد سيهتم بالأرقام”، فسيجدون أسماءهم لاحقًا في الصفحات الأولى لحصيلة العطالة البرلمانية، التي ستكون مرجع التصويت العقابي. وحينها لن يكون الحديث عن “حفظ ماء الوجه”، بل عن دروس تُقدَّم كعبرة للآخرين: هذا ما يحدث حين تتحول دائرة منكوبة إلى مجرد رقم في خريطة الأغلبية، لا إلى أولوية تشريعية ورقابية.

إلى أن يقرّر نواب وجدة أن يرفعوا أيديهم لا للتصويت فقط، بل لطلب الكلمة والسؤال والمساءلة، ستظل هذه المدينة تعاني في صمتين متوازيين، صمت الواقع وصمت البرلمان. وبينهما، لن يبقى للناس إلا أن يتابعوا هذه السلسلة، حلقاتٍ بعد أخرى، على أمل أن يجدوا يومًا ما إسمًا من دائرتهم في خانة “الاستثناء الإيجابي”، لا في خانة “الصفر المتكرر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى