هيئة النزاهة تُسقِط صفقة خريطة الفساد في الصحة بسبب ثغرة في “تنازع المصالح”

حسين العياشي

أعلنت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن إلغاء طلب العروض رقم 07/2025، المتعلق بإعداد خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة، وذلك عقب اطلاع مجلسها على رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية والخلاصات التي أسفر عنها البحث الداخلي الذي باشرته الهيئة. وشددت في بلاغ لها على أن إعداد هذه الخريطة يكتسي طابعاً استراتيجياً في ترسيخ الشفافية والنزاهة داخل قطاع حيوي كقطاع الصحة، مؤكدة أن إنجازها سيظل أولوية يتعين تحقيقها في أقرب الآجال الممكنة.

وأوضح البلاغ أن قرار الإلغاء جاء في إطار الحرص على احترام أعلى معايير الشفافية في تدبير صفقات الهيئة، بعد أن أثارت اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية الانتباه إلى ما اعتبرته خللاً في صياغة نموذج التصريح بالشرف المطلوب من المتنافسين. ويتعلق هذا الخلل تحديدا بالشطر المتصل بتنازع المصالح؛ إذ تبين أن الصيغة المعتمدة لا تحسم بشكل كافٍ في نطاق هذا الالتزام، علماً بأن التصريح بتنازع المصالح يرتبط عادة بالأشخاص المتدخلين في مسطرة إبرام الصفقة، وليس بالضرورة بجميع المتنافسين.

وأكدت الهيئة أن هذا النقص يشكل عيباً مسطرياً في مرحلة إعداد وثائق طلب العروض، الأمر الذي استدعى، من منطلق سلامة المسطرة، إلغاء الصفقة برمتها. ولفتت في الوقت نفسه إلى أن هذا القرار لا ينطوي على أي حسم في وجود حالة فعلية لتنازع المصالح من عدمه، موضحة أن هذا الجانب سيخضع للفحص والتدقيق في سياق الإجراءات اللاحقة التي ستباشَر في هذا الملف.

وفي السياق نفسه، أعلنت الهيئة عن حزمة من التدابير المواكِبة لإعادة إطلاق طلب العروض المتعلق بخريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة. وتشمل هذه التدابير مراجعة نظام الصفقات الخاص بالهيئة بما يتيح توضيح مفهوم تنازع المصالح في التصريحات المطلوبة من المتنافسين، وإدراج مقتضيات إضافية تضمن تدبيراً أكثر دقة وشفافية لحالاته المحتملة. كما ستعمل الهيئة على إعداد طلب عروض جديد يستند إلى نتائج هذه المراجعة، بما يعزز الثقة في نزاهة العملية برمتها.

وبموازاة ذلك، تعتزم الهيئة إعداد رأي مفصل ومُحَيَّن حول مفهوم تنازع المصالح، استناداً إلى أحكام الفصل 36 من الدستور المغربي وإلى المرجعية المعيارية الدولية التي تميز بين ثلاثة مستويات رئيسية: تنازع المصالح الفعلي، والتنازع المحتمل، والتنازع الظاهري. وترى الهيئة أن توفير تأطير قانوني واضح لهذا المفهوم بات ضرورة ملحّة لضمان اليقين القانوني لدى المتنافسين، وتعزيز ثقة الرأي العام، وضمان مصداقية القرارات المتخذة في مجال تدبير الصفقات العمومية.

ويُذكر أن اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية كانت قد اعتبرت، في رأيها، أن الإجراءات التي اتبعتها لجنة طلب العروض سليمة، وأن ما انتهت إليه هذه اللجنة من اقتراح إسناد الصفقة إلى المكتب المعني يستند إلى مسطرة مطابقة للقواعد الجاري بها العمل. غير أن اللجنة، وفي إطار دورها التحسيسي والوقائي، نبهت تلقائياً إلى الخلل الذي يشوب نموذج التصريح بالشرف، وهو التنبيه الذي ترتب عنه قرار الهيئة بإلغاء الصفقة، في انسجام مع نهج وقائي يفضّل تصحيح المسطرة وتعزيز وضوحها على المضي قدماً في إجراء قد يثير لبساً أو تشكيكاً مستقبلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى