بوريطة يحوّل الحوار السياسي مع هولندا إلى منصة للمشاريع الكبرى

حسين العياشي

شكّلت زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى لاهاي محطة فارقة في مسار العلاقات المغربية-الهولندية، إذ خرج البلدان في ختامها ببيان مشترك عبّرا فيه بوضوح عن رغبتهما في الارتقاء بشراكتهما إلى مستوى نوعي جديد، يقوم على تعميق الثقة وترسيخ التنسيق في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. ولم يَخفِ الجانبان قناعتهما بأن التعاون بين الرباط ولاهاي يعيش اليوم واحدة من أكثر مراحله دينامية وحيوية، إلى الحد الذي باتت معه فكرة التحول إلى شراكة استراتيجية مطروحة بجدية على الطاولة.

الوزير ناصر بوريطة ونظيره الهولندي دافيد فان ويل توقفا مطولاً عند الزخم الذي يعرفه الحوار السياسي بين البلدين، سواء من خلال انتظام اللقاءات رفيعة المستوى أو كثافة قنوات التشاور المفتوحة بين العاصمتين. وفي هذا السياق، جرى التذكير بالدور الحاسم الذي اضطلعت به خريطة الطريق المعتمدة سنة 2022، وكذا خطة العمل التي أطلقت في 2021 وينتظر تحيينها في أفق 2026، باعتبارهما إطارين مرجعيين سمحا بتنظيم التعاون وتوسيعه في آن واحد، وفتح الباب أمام آفاق جديدة لم تكن مطروحة بهذا الوضوح من قبل.

على الصعيد الاقتصادي، أبدى الطرفان إرادة مشتركة في الدفع بالعلاقات إلى مستويات أعمق، من خلال تحفيز الاستثمارات المتبادلة، وتسهيل المبادلات التجارية، وتشجيع إطلاق مشاريع مشتركة في القطاعات الواعدة. وقد جرى تحديد عدد من المجالات ذات الأولوية، يأتي في مقدمتها الطاقات المتجددة، والهيدروجين الأخضر، وتدبير الموارد المائية، وتطوير البنيات التحتية، باعتبارها رافعات عملية لبناء شراكة تتجه بوضوح نحو المستقبل وتستجيب لتحولات الاقتصاد العالمي.

البعد الأمني والهجرة احتل بدوره حيزاً مهماً في مباحثات المسؤولين، مع تأكيد الطرفين على مركزية هذا الملف في أجندة تعاونهما. وتم التشديد على ضرورة تكثيف الجهود المشتركة في مواجهة الجريمة العابرة للحدود، وتحسين الآليات والإجراءات المرتبطة بتدبير قضايا الهجرة، والعمل على مقاربة متكاملة لإدارة تدفقات المهاجرين، تقوم على المسؤولية المشتركة وروح الشراكة لا على منطق الإملاء أو المعالجة الظرفية.

كما لم يُغفَل الجانب الثقافي والعلمي، الذي اعتُبر بدوره ركيزة أساسية لتعميق التقارب بين المجتمعين. وفي هذا الإطار، عبّر البلدان عن رغبتهما في توسيع فضاءات التلاقي عبر برامج للتبادل الأكاديمي، وشراكات بين الجامعات ومراكز البحث، فضلاً عن مبادرات فنية ومشاريع مشتركة في مجالات الإبداع والثقافة، بما يسمح ببناء جسور دائمة بين الأجيال الجديدة في البلدين.

وفي أفق أكبر حدث كروي مرتقب سنة 2030، أعربت هولندا عن تطلعها إلى تعزيز التعاون مع المغرب على صلة بتنظيم كأس العالم، معتبرة المملكة شريكاً محورياً في التحضير لهذه التظاهرة العالمية وما تتيحه من فرص اقتصادية ولوجستية ورياضية. بذلك، تبدو الرباط ولاهاي مقبلتين على مرحلة جديدة من علاقتهما، يتجاوز فيها التعاون حدود الملفات التقليدية ليأخذ شكل رؤية استراتيجية شاملة، تمتد من الاقتصاد إلى الأمن، ومن الثقافة إلى الرياضة، تحت سقف ثقة متبادلة تراكمت عبر عقود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى