
حسين العياشي
في قراءة تحليلية لآلية الدعم المباشر، توقف الخبير الاقتصادي محمد جدري عند الأرقام التي تُقدَّم اليوم باعتبارها مؤشرات على حجم الجهد الاجتماعي المبذول خلال السنوات الخمس الماضية. أرقام تتراوح بين الملايين والمليارات من الدولارات، وتغطي ما يقارب أربعة ملايين أسرة. غير أن جدري يرى أن ضخامة الأرقام، رغم أهميتها، ليست سوى مدخل لفهم أعمق لفلسفة الدعم الاجتماعي، وأن التركيز يجب أن ينصب أساسًا على كيفية توزيع هذا الدعم وفعالية وصوله إلى المواطنين.
وفي هذا السياق، يشير جدري إلى ضرورة ضمان أن يصل الدعم إلى مستحقيه بطريقة شفافة، بعيدًا عن أي ممارسات تُشوّه مسار الاستفادة، مؤكداً أن أحد المؤشرات الدالة على نجاح المنظومة في صيغتها الحالية هو غياب الشكايات المرتبطة بالابتزاز أو الرشوة أو المضايقة خلال مراحل تقديم الطلبات. بالنسبة له، هذا التطور يمثل تحوّلًا لافتًا مقارنة بسنوات مضت كانت فيها هذه الشكاوى مادة متكررة لدى الأسر التي تلجأ إلى برامج الدعم. وهو ما يعكس، في تقديره، تحسنًا فعليًا في منسوب الشفافية وفي عدالة توزيع الموارد الاجتماعية.
لكن هذه الإيجابيات، رغم وزنها، لا تلغي حاجة الحكومة إلى مراجعة أعمق لفلسفة الدعم برمتها، إذ يرى جدري أن النقاش يجب أن يتجاوز مجرد تحسين الأداء الإداري إلى التفكير في جوهر السياسة الاجتماعية وأهدافها، وكيفية توجيه الدعم بشكل يخدم فعلًا الفئات الأكثر هشاشة. وهو ما يستدعي، في رأيه، آليات رقابة أقوى، وأنظمة تقييم أكثر دقة، تسمح برصد الاختلالات وتصحيح المسارات، بما يضمن أن لا يتحول الدعم إلى عبء مالي بلا أثر، أو إلى وسيلة تُوزّع بشكل غير متكافئ.
ويخلص جدري إلى أن التحديات الاقتصادية تُحتّم اعتماد سياسات اجتماعية أكثر مرونة وابتكارًا، مع بناء أطر قانونية وإدارية صلبة تجعل برامج الدعم آليات مستدامة لا مجرد حلول ظرفية. فالدعم المباشر، كما يؤكد، لن ينجح بأرقامه وحدها، بل بمنهجيته، وعدالته، وقدرته على تعزيز ثقة المواطن في الدولة ونظامها الاجتماعي.





