
فاطمة الزهراء أيت ناصر
في لحظة اختبر فيها المغاربة مرة أخرى معنى التضامن الحقيقي، تحولت فاجعة فيضانات آسفي إلى مشهد إنساني نابض بالتكافل والعطاء.
فبمجرد انتشار أخبار الكارثة وهول الصدمة التي خلفتها السيول الجارفة، سارعت فعاليات جمعوية ومبادرات مدنية من داخل المدينة وخارجها إلى التحرك العاجل، في سباق مع الزمن للتخفيف من معاناة المتضررين الذين باغتتهم المياه في منازلهم ومحلاتهم دون سابق إنذار.
جمعيات بمدينة آسفي كانت في طليعة المتدخلين، انتقلوا إلى عين المكان حاملين ما تيسر من مشروبات ساخنة ومواد غذائية أساسية، ومع إطلاق نداء إنساني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انهالت المساعدات العينية من المواطنين، شملت الحليب، الشاي، الخبز، الزبدة، الزيت ومواد أخرى، في استجابة جسدت عمق روح الإحسان المتجذرة لدى المغاربة.
وخلال ساعات قليلة، استفاد من هذه المبادرات الإنسانية ألاف الأشخاص، وسط توافد متواصل للمتضررين منذ ساعات الصباح الأولى، ولم يقتصر التضامن على جمعية واحدة، بل انخرطت إلى جانبها مجموعة من الفاعلين الجمعويين والمبادرات التطوعية، حيث توحدت الجهود لتأمين أكبر قدر ممكن من الدعم في ظل نفسية منهارة لسكان صدمتهم قوة الفيضان غير المسبوقة.
الصدمة كانت مضاعفة، خاصة أن مدينة آسفي اعتادت في فترات سابقة على فيضانات محدودة يمكن التحكم فيها، غير أن ما حدث هذه المرة فاق كل التوقعات، المياه اقتحمت الأزقة والمنازل، وبلغ منسوبها في بعض المناطق ما بين مترين إلى ثلاثة أمتار، بل وتجاوز ذلك في محيط باب الشعبة، مخلفة خسائر جسيمة في المحلات التجارية التي فقد أصحابها سلعهم ومصادر رزقهم في لحظات.
وفي خضم هذا الدمار، برز الوجه المشرق للمجتمع المغربي، حيث شارك شباب وشيوخ، رجال ونساء، في عمليات التطوع وتوزيع المساعدات، بل وحتى أجانب مقيمون قدموا بدورهم مساهمات رمزية تعبيرا عن التضامن الإنساني.
ورغم المبادرات النبيلة، ظل الواقع صادما، إذ ما تزال منازل كثيرة مغمورة بالمياه، فيما يعجز كبار السن عن إزالة الأوحال بمفردهم، ما دفع الجمعيات إلى التفكير في الانتقال إلى مرحلة ثانية من التدخل، تتعلق بالمساعدة في تنظيف البيوت وإخراج المياه العالقة، في انتظار حلول أعمق وأكثر استدامة.
فيضانات آسفي أعادت إلى الواجهة أسئلة كبرى حول هشاشة البنية التحتية وغياب التدخل الاستباقي، لكنها في المقابل أكدت مرة أخرى أن المغاربة، في أحلك الظروف، يلتفون حول بعضهم البعض بروح تضامن قل نظيرها، ويجعلون من المحنة فرصة لإبراز قيم التكافل والتآزر التي تميز المجتمع المغربي.





