المغرب المنسي.. حتى الطبيعة لم تنصفه
خديجة بنيس: صحافية متدربة
التقدم الذي أحرزه ويحرزه المغرب في بعض المجالات حقيقة لا يختلف اثنان حولها، فالبلاد تحقق نماءً وتقدماً على جميع المستويات. مغرب اليوم مختلف تمامًا عن المغرب الأمس، حيث بنيت بنى تحتية جديدة واقتصاد يحقق أرقامًا كل سنة مختلفة عن سابقاتها. مغرب يحارب الهدر المدرسي، مغرب يصنع السيارات والطائرات، مغرب يطلق الأقمار الصناعية، مغرب الاستثمارات، ومغرب سينظم كأس العالم.
يسوق المغرب نفسه على أنه مغرب التنمية ومغرب التقدم الاقتصادي وبلد سياحي بامتياز. نعم، هذه حقيقة، لكن في المقابل هناك مغرب منسي يتناسى أو يتغافل، أو يمكن القول إنه يتجاهل المسؤولون المتعاقبون على تسيير وتدبير الشأن العام الخوض في ثنايا مشاكله وهيكلته والعمل على تطويره ليلحق بركب التنمية التي يقودها المغرب النافع.
أي كان من قسم المغرب هذا التقسيم، فإن السنين برهنت على أنه استشرف المستقبل. فالتنمية التي نراها في المدن الكبرى نرى عكسها تمامًا في الهوامش والمناطق النائية التي لا تزال تعيش تحت وطأة العزلة، والتي لم تستفد من نتائج المخططات ولم تحظَ بنقاش أحوالها في الاجتماعات، ولم تستفد من التنمية ولم ترَ نورها.
قد ينبهر أحدنا ما إن يرى المغرب في الرباط وطنجة ومراكش، لكن نفس الشخص سيتفاجأ من التهميش والإقصاء وغياب أبسط شروط الحياة في بعض المناطق النائية. هذه الثنائية الغريبة تظهر الفجوة الاجتماعية والاقتصادية التي تعزز تقسيم المغرب النافع وغير النافع.
الفوارق المجالية والاجتماعية الشديدة البارزة والعميقة تعكس الفجوة بين الوعود والواقع، بين ثروات البلاد وتهميش أبنائها، وبالتالي آن الأوان ليتحمل المسؤولون والقائمون على تسيير أمور البلاد والعباد مسؤوليتهم فيما يحصل ، هذا الوطن للجميع وخيراته يجب أن يستفيد منها جميع المغاربة، لا يجب أن يستثني المغرب أبناءه من التنمية، والمشاريع والخدمات.
السيول والفيضانات لم تعرِ عن هشاشة البنى التحتية للمناطق النائية المعزولة في أقصى الجنوب، بل أبانت أنه شتان بين ما نصبو إليه وما نحن عليه. سكان هذه الأقاليم يترددون دائمًا، وهم يشاهدون المغرب عبر التلفاز: “لماذا لا يصلنا حقنا من مغربنا؟” سؤال ستردده أنت أيضًا عندما ترى التنمية المنعدمة في هذه المناطق التي تُصدر الثروة.
رغم المعاناة المستمرة، يظل المجتمع في المغرب المنسي راضيًا بالقسمة، يتقبل قدَره برحابة صدر وعزيمة لا تلين. لكن المؤلم حقًا هو أنه حتى الطبيعة لم تنصفهم. فبعد أن ضاق بهم الجفاف ذرعًا، وواجهوا أيامًا طويلة من العوز والفقر، جاءت السيول الجارفة، لتسلبهم ما تبقى من أثر للجفاف، وتخطف حتى إنها صورة قاسية، حيث تتحول الطبيعة، التي يجب أن تكون مصدر حياة، إلى قاهر آخر يضاعف معاناتهم.
نتفق جميعًا على ضرورة السعي من أجل التطور وتحقيق الرخاء والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، ما أحوجنا إلى أن يتحقق ذلك، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب أبناء هذا الوطن . يجب أن تشمل التنمية الجميع، التنمية ليست مجرد شعارات تُرفع في الاستحقاقات الانتخابية، بل هي التزام حقيقي بتلبية احتياجات جميع المغاربة، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تضمن لكل فرد حقه في حياة كريمة