الدحاني ل”إعلام تيفي”: صناعة التفاهة في العصر الرقمي هل هي انعكاس لانهيار القيم أم صعود للفاعل الميكارتيني؟

فاطمة الزهراء ايت ناصر: صحافية متدربة

في ظل تنامي المحتوى الذي يُوصف بـ”التافه” على المنصات الرقمية وازدياد الإقبال على متابعته، تثار تساؤلات كثيرة حول الأسباب والدوافع التي تدفع صُنّاع المحتوى إلى اختيار هذا النوع من الإنتاج.

وفي تصريح خاص لجريدة “إعلام تيفي”، أشار الباحث في قضايا سوسيولوجيا التربية محمد الدحاني، إلى أن الظاهرة تتجاوز مجرد الأزمات النفسية أو الضغوط الاجتماعية، حيث صرّح: من منا لا يعاني من عقد نفسية؟ لكن هل تكون العقد النفسية سببًا كافيًا لنشر التفاهة؟ مؤكدًا أن الظاهرة ترتبط بشكل أعمق بمادية الفاعلين، وانهيار القيم التقليدية، والتحولات القيمية التي تعيشها المجتمعات الحديثة.

وبالتفصيل، قدّم الباحث رؤيته حول الموضوع، مشيرًا إلى أن الفاعلين وراء هذا النوع من المحتوى يمكن تصنيفهم تحت مفهوم “الفاعل الميكارتيني”، الذي يضع المكاسب المالية فوق أي اعتبار، ولو كان ذلك على حساب الخصوصية أو المبادئ الاجتماعية. قائلا “كل ما يهمه هو ان يغدي حسابه البنكي وتحقيق دخل مالي وزيادة أسهمه، حتى وإن تطلب الأمر التحدث عن حياته الخاصة أو نشر تفاصيل حميمة، بل وقد يكشف عن أجزاء من جسده أو يدخلنا إلى فضاءاته الخاصة مثل غرفة نومه أو الحمام”.

وربط المتحدث هذه الظاهرة بانهيار منظومة القيم المحافظة وعدم ظهور بديل واضح يمكن أن يضبط السلوكيات وفق معايير جديدة، مما أفرز حالة من الفوضى القيمية حيث أصبحت مفاهيم مثل “هذا عيب” أو “حرام” تُستبدل بعبارة “هذا أمر عادي”.

وأضاف  “إنهيار منظومة القيم المحافظة أو التقليدية وعدم بزوغ منظومة قيمية جديدة أخرى وهذا المرض لا ندري ان كان هو السبب الذي يجعل الفاعل  لإنتاج التفاهة ام ان هناك عوامل أخرى” وقال ” اننا نعيش في عصر انتقالي على المستوى القيمي، بمعنى أن المنظومة القيمية قد انهارت، وكلمات مثل ‘هذا عيب’ أو ‘حرام’ لم تعد تُستخدم في سلوكياتنا اليومية وأصبحت تُستبدل بمفهوم ‘هذا أمر عادي’.

هذا العامل الثاني يشير إلى أننا نعيش في عالم مختلف تمامًا، حيث تنهار المنظومة الدينية الكلاسيكية بشكل مطلق، بينما لم تبرز بعد منظومة بديلة قد تكون منطقية أو عقلانية أو قانونية”.

وطرح المتحدث تساؤلات حول الموضوع قائلاً: ما المقصود بالتفاهة؟ هل تعني الانفلات الأخلاقي، بحيث أصبحت الأفعال تتطاول على القيم الدينية للمجتمع المغربي، ولم تعد تراعي احترام الحرام والحلال؟ أم أننا نقصد بالتفاهة تجاوز المنطق القانوني، بحيث يصبح من الصعب التمييز بين ما هو قانوني وما هو غير ذلك؟

وأضاف “هل التفاهة تتمثل في تجاوز الذوق السليم وعدم مراعاة الذوق العام؟ أم أنها تعني تجاوز العقل السليم والمنطقي؟

وأمام التحول الرقمي المتسارع، أصبحت المنصات الإلكترونية مثل Facebook وTikTok وInstagram وYouTube فضاءً خصبًا لانتشار المحتوى السطحي والتافه، الذي يلقى رواجًا واسعًا وسريعًا. بفضل طبيعتها المعتمدة على المحتوى القصير والفوري، تحولت هذه المنصات إلى حاضنة رئيسية لصناعة التفاهة. وتشير إحصائيات تقرير “We Are Social” لعام 2023 إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت بلغ حوالي 4.89 مليار شخص حول العالم، حيث يقضي المستخدمون نحو 7 ساعات يوميًا في استهلاك محتويات متنوعة، يغلب عليها الطابع السطحي والترفيهي.

من أبرز الأمثلة على ذلك منصة TikTok، التي تعتمد على الفيديوهات القصيرة، حيث يقضي المستخدم الواحد حوالي 52 دقيقة يوميًا في مشاهدة محتوى يركز غالبًا على الترفيه والإثارة السريعة دون عمق معرفي أو تحليلي. هذه الظاهرة تعكس طبيعة المنصات الرقمية الحديثة التي تستهدف إثارة الفضول وإشباع الرغبات الفورية، لكنها تفشل في تقديم محتوى يُثري الفكر أو يُعزز الفهم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى