علاقة “البوليساريو” بـ”أسود الخلافة”.. تحالف الظل بين الإرهاب والانفصال

فاطمة الزهراء ايت ناصر

كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدها المغرب، من تفكيك خلية إرهابية تُعرف بـ”أسود الخلافة في المغرب الأقصى”، عن خيوط مترابطة تمتد إلى أبعد من مجرد تنظيم متطرف، بل تصل إلى علاقات وثيقة مع جبهة “البوليساريو”. هذه العلاقة ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لمسار طويل من التداخل بين الجماعات الانفصالية والإرهابية، حيث يشكل الساحل الإفريقي ساحة مفتوحة للأنشطة المشبوهة، من تهريب الأسلحة إلى التدريب العسكري لعناصر متطرفة.

وكشف حبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية،  خلال ندوة صحفية عقدت الإثنين الماضي بسلا،  أن الأبحاث الأمنية الأولية أظهرت أن أعضاء خلية “أسود الخلافة في المغرب الأقصى” كانت لهم ارتباطات وثيقة بكوادر من لجنة العمليات الخارجية في فرع “داعش” بالساحل، الذي كان يقوده عدنان أبو الوليد الصحراوي، العضو السابق في جبهة “البوليساريو”.

من هو عدنان أبو الوليد الصحراوي؟

أحد الأسماء التي تكررت في هذا الملف هو عدنان أبو الوليد الصحراوي، واسمه الحقيقي إدريسي سيدي لحبيب ولد سيدي عبدي، وهو عضو سابق في جبهة “البوليساريو”. بدأ مساره المسلح في مخيمات تندوف، قبل أن ينتقل إلى قيادة تنظيم “ولاية الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”، ليصبح أحد أخطر الإرهابيين في المنطقة قبل القضاء عليه في غشت 2021.

ليس من المستغرب أن يتورط أعضاء سابقون في “البوليساريو” في أنشطة إرهابية، فقد سبق أن حذرت تقارير أمنية من أن مخيمات تندوف أصبحت حاضنة للتطرف، حيث يتم تجنيد الشباب وتلقينهم عقائد متشددة، تزامنًا مع تلقي تدريبات عسكرية مكثفة.

التمويل والتهريب.. أوجه التعاون بين “البوليساريو” و”داعش”

وبحسب المعطيات الأمنية التي كشف عنها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، فإن خلية “أسود الخلافة” كانت تتلقى دعماً لوجستياً من “ولاية داعش في الساحل”، التي تعتمد بشكل كبير على شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات العابرة للحدود. وهنا يظهر دور “البوليساريو”، التي تسيطر على طرق تهريب رئيسية في المنطقة، وتمتلك علاقات واسعة مع مافيات السلاح والمخدرات.

وأوضح المدير أن خطورة هذه الخلية لا تكمن فقط في تعدد الأهداف التي حددتها، بل أيضًا في كونها كانت مشروعًا استراتيجيًا لـ”ولاية داعش بالساحل” لإقامة فرع لها بالمملكة.

وأضاف أن أعضاء الخلية، بإيعاز من لجنة العمليات الخارجية لهذا التنظيم، قاموا بتشكيل لجنة مصغرة مكلفة بالتنسيق معها بشأن المخططات الإرهابية، وكيفية تنفيذها، وتبليغ الأوامر إلى بقية العناصر.

من جانبه، كشف بوبكر سبيك، المسؤول عن التواصل بالمديرية العامة للأمن الوطني، أن “ولاية داعش بالساحل” هي المغذي الرئيسي لشبكة “أسود الخلافة في المغرب الأقصى” من حيث الأسلحة، مشيرًا إلى أن التحقيقات لا تزال جارية لتتبع مسارات تهريب الأسلحة منذ تفكيك الخلية الإرهابية.

وأضاف سبيك أن بعض الأسلحة تم تلفيفها بأوراق من جريدة لدولة مالي، في محاولة للتمويه، غير أن الأجهزة الأمنية تحاول رصد بصماتها لمعرفة حيتياتها.

وتزايدت الشكوك حول تواطؤ ميليشيات “بوليساريو” في زعزعة استقرار المغرب، بعد العثور على أسلحة ملفوفة في الجرائد المالية، وذلك بإيعاز من عبد الرحمان الصحراوي الليبي، عراب الخلية المفككة مؤخرًا.

وتعمد الفاعلون محو الأرقام التسلسلية للأسلحة لإخفاء مصدرها، وهو ما يعقّد عملية التتبع، خصوصًا أن معظم الأسلحة في مالي تعود أصولها إلى ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.

هل تشكل “البوليساريو” تهديدًا إرهابيًا مباشرًا؟

ما يزيد من خطورة هذه العلاقة بين “البوليساريو” والجماعات الإرهابية هو أن الأخيرة تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها داخل المغرب.

وكشف مدير “البسيج” حبوب الشرقاوي أن الخلية كانت تخطط لهجمات دامية تستهدف استقرار المملكة، ما يؤكد أن “البوليساريو” ليست مجرد حركة انفصالية، بل أصبحت جزءًا من منظومة الإرهاب في الساحل والصحراء.

وأوضح الشرقاوي أن الخلية كانت تعد لمخططات بالغة الخطورة، حيث بايع جل أفرادها تنظيم “داعش” قبل الشروع في التخطيط لهجمات دامية تستهدف مدنًا مغربية، دامت مدة التخطيط لها أكثر من سنة.

وأوضح المدير أن تهديدات هذه الخلايا ليست موجهة فقط ضد المغرب، بل تمثل خطرًا إقليميًا يجب التعامل معه بجدية، مما يطرح تساؤلات حول مدى تورط “البوليساريو” في دعم الإرهاب في المنطقة.

وتؤكد تقارير سابقة أن أكثر من 100 عنصر من “البوليساريو” التحقوا بتنظيمات متطرفة، سواء داخل “داعش” أو “القاعدة”، كما أن عدداً منهم شاركوا في معارك دامية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وهذا ما يجعل المخيمات في تندوف، التي تديرها الجبهة، بيئة خصبة لتجنيد المقاتلين الإرهابيين.

في ظل هذه التطورات، تزداد التساؤلات حول الدور الحقيقي لـ”البوليساريو”، وما إذا كان المجتمع الدولي سيستمر في التغاضي عن ارتباطها بالجماعات الإرهابية، خصوصًا وأن الأدلة تزداد وضوحا بأن هذه الجبهة لم تعد مجرد حركة انفصالية، بل أصبحت جزءًا من منظومة الإرهاب العابر للحدود.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى