الفساد ينعم بالحصانة في ظل عفا الله عما سلف

بشرى عطوشي

فقد المغرب سبع رتب في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2019، حيث انتقل من الرتبة 73 إلى الرتبة 80 من أصل 180 دولة.

كثيرة هي الأرقام التي تؤكد بشدة مدى تساهل الحكومة مع المفسدين، والتزامها بشعار عفا الله عما سلف إلى حدود لا تنتهي.. حكومة العثماني كسالفتها انتهجت عبارة ” لا قدرة لنا على مواجهة التماسيح والعفاريت”..

استغربت كثيرا، حين حذر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، من التهويل في التعاطي مع موضوع مكافحة الفساد، وحين قال “ليس بالتشويه، سنقوي ثقة المواطنين والمقاولات، وليس بالمزايدات والتنابز سنحقق التظافر اللازم للنجاح “.

وعند تذكيره بملف “باب دارنا” الذي كان مثالا على استشراء ظاهرة الفساد بالمغرب، أخلى رئيس الحكومة مسؤوليته تماما اتجاه هذا الملف، وتوجه باللائمة للضحية الذي أعطى ماله قبل أن يتحقق من أن المشروع قائم بذاته، وقال ” يؤسفني أن أخبركم أن هذا الملف خارج عن القانون، لا علاقة له لا بسلطة عمومية ولا بمسؤول…ليس لنا علاقة به، هو الآن أمام القضاء” وأضاف ” ذلك ذهب وذهبوا عند الموثق..لا دخل لنا به، والقضاء سيحدد المسؤوليات”.

على الأقل اعترف سعد الدين العثماني بأن المعاملات التي أبرمتها مجموعة باب دارنا، في إطار تسويق مشاريعها العديدة في الدارالبيضاء والمحمدية، لم تحترم أحكام القانون 44.00 المتعلقة ببيع العقارات في طور الإنجاز (VEFA ).

وأقر بأن أحكام هذا القانون لا يمكن تطبيقها إلا في حالة إذا أثبت المنعش العقاري حيازة الأرض التي سيتم بناء المشروع عليها، كما اعترف أيضا بأن مشاريع باب دارنا غير مصرح بها.

يبدو أن رئيس الحكومة، الذي ادعى أنه درس هذه المسألة بعمق، لديه فهم تقريبي للغاية لما بين السطور في هذه القضية، التي هزت العالم السياسي – الاقتصادي المصغر في الأسابيع الأخيرة.

والمؤسف أيضا حين انتقص من حجم خطورة ملف باب دارنا بمقارنته بقصة أحد البقالين يقدم وعده بجلب منتج مقابل تسليمه ل10 آلاف درهما، في الوقت يطالب فيه 1200 متضررا، في ملف “باب دارنا” باسترجاع 400 مليون درهما، ويحملون المسؤولية للحكومة وإداراتها الوصية.

فإذا نجحت عملية الاحتيال التي تعرض لها ضحايا باب دارنا حتى الآن، فذلك يعود بالأساس لهيئات الرقابة التي فشلت في مهمتها، وإلا فكيف يمكن شرح صمت الجماعات والعمالات مقابل وجود مكاتب للبيع وحواجز وملصقات إعلانية متعددة، بكل مكان تقريبا بالدارالبيضاء، أثناء التسويق لمشاريع باب دارنا، التي كانت خارج القانون كما قال رئيس الحكومة.

أين كانت دوريات المراقبة التابعة لوزارة الإسكان، المنوط بها الإشراف على هذه المشاريع الكبرى؟ لماذا لم تراقب الحكومة إعلانات تلفزيونية كاذبة يشاهدها الملايين، حيث كانت وعدت أنه عند شراء شقتين تكون الثالثة بالمجان؟

فحين حوصر العثماني بملف باب دارنا، رمى بالمسؤولية كلها على عاتق الضحايا، والمنعش العقاري الذي احتال عليهم.

ما أحوجنا في مسيرة الإصلاح ووضع نموذج تنموي حقيقي، لهامات حقيقية تدير مؤسسات البلاد، بمقاربة موضوعية، قوية الحزم والمبادئ، عاقدة العزم على العمل النبيل الصادق، لا نسمع لها من قول، بقدر ما نلمس لها من فعل نافع في الميدان، يضرب بيد من حديد على رؤوس وينابيع الفساد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى