مدونة الأسرة..النقاط الأخيرة في التعديل هل يتم التغلب على نقاط الخلاف

ملف أسبوع إعلام تيفي 

أعدته: بشرى عطوشي

 

في خطاب وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم السبت 30 يوليوز 2022، بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، قال جلالته “وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها، ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء”.

والواقع، وفق صاحب الجلالة، أن “مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال، لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية”.

وشدد جلالة الملك، على أنه “يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك”.

وتابع “وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.

ومن هنا، يضيف صاحب الجلالة، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.”

ولأنه منذ ذلك الوقت لم يتم حلحلة الموضوع، ولم يتم بشأنه إصلاح المدونة، وجه جلالة الملك محمد السادس، رسالة سامية إلى رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.

وتأتي هذه الرسالة الملكية تفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها جلالته، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام.

على هذا الأساس، يتعين على الحكومة، التي أسند لها جلالته الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، وبشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، (يتعين) تقديم المدونة في غضون الأسابيع المقبلة.

فبعد مرور 20 عاما على اعتمادها، بين بطء الإجراءات وأوجه القصور في تطبيق أحكامها ، لم تحصل المدونة على النتائج المتوقعة. ولكن إذا كان الإصلاح ضروريا، فإن بعض القضايا مازالت تعيق العملية.

فهل سيكون الساهرون على التعديل قادرين على التغلب على نقاط الخلاف؟  وإلى أي مدى سيذهب هذا التغيير؟

 

قبل 20 سنة من الآن 

فمن ناحية ، التزمت الحكومة الاشتراكية للمرحوم عبد الرحمن يوسفي بتحسين وضع المرأة بوضع خطة عمل وطنية لإدماج المرأة في التنمية، هذه الخطة ، التي ابتعدت نوعا ما عن التقاليد المالكية ، دعت إلى إصلاح عميق للمدونة، حيث احتشد المؤيدون ، الذين ينتمون أساسا إلى حزبين اشتراكيين ، الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ، وكذلك حزب الاستقلال ، من أجل هذه القضية.

وعرفت بداية القرن 21 توترا حادا بين عدد من الجمعيات المدافعة عن المرأة والتيارات المحافظة حول ما سمي ب”المشروع المجتمعي”، حيث تم تشكيل شبكة معارضة تسمى “المجموعة الوطنية لحماية الأسرة المغربية”، التي سجلت أن الخطة تمثل تهديدًا للأسرة المغربية وتماسكها، وبجانب المسيرة المليونية المعارضة للخطة في الدار البيضاء يوم 12 مارس 2000، قادت التيارات الإسلامية حملة معارضة في المساجد ووسائل الإعلام والأماكن العامة وحتى بدخول بيوت المغاربة، كما شملت المعارضة كذلك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ورابطة علماء المغرب حيث اعتبروا أن مثل هذا الإصلاح باطل لعدم استشارة العلماء بشأنه ولإغفاله الرمزية الدينية للملك الذي يحمل الشرعية الدينية الوحيدة لإجراء مثل هذه الإصلاحات.

من هنا فشلت الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية بعد تعاظم الحملات الرافضة لها وعرفت السنوات التي أعقبت المسيرتين نقاشات حادة ومستفيضة حول قضية المرأة في المجتمع المغربي، حيث ظهرت بعض معالم التوافق والتعارض بين التيارين النسويين: فبينما اتفقت جميع ممثلاث المجتمع المدني (الإسلاميات واليساريات) على أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة يجب أن تتحسن، اختلفن في المنهجية والمرجعية المستخدمة في هذه العملية،وهو ما أشارت إليه بسيمة حقاوي بقولها “إن أهم نقطة تشنج واختلاف واضح كانت تتعلق بالمرجعية. فأصحاب “الخطة” لا يقبلون رفع المرجعية الإسلامية فوق المرجعية الدولية” وعليه، أمام احتدام الجدل وتجاهل المحافظين والتقدميين لوجود سلطة دينية في البلاد تجسدها إمارة المؤمينين، لم يكن هناك من مخرج سوى التدخل الملكي وإعمال التحكيم وذلك عبر خطاب ملكي يوم 27 أبريل 2001، انتهى بتنصيب أعضاء اللجنة الاستشارية الخاصة بمدونة الأحوال الشخصية والتي ضمت علماء دين وأكاديميين وخبراء في القانون وناشطات حقوقيات، وهو ما اعتبر مقاربة تشاركية في إطار التشاور والتوافق والاجتهاد الجماعي توج بإصدار مدونة الأسرة سنة 2004 باعتبارها “ثورة هادئة” جاءت بمكتسبات قانونية مهمة لصالح المرأة.

 

 أفق توسيع دائرة الاجتهاد الديني 

جاء إقرار مدونة الأسرة سنة 2004 تتويجا لمسار التجاذب الحاد الذي عرفته الساحة النسائية بالمغرب وبداية مسار آخر من التدافع الأقل حدة. وقد لعبت المؤسسة الملكية دورا أساسيا في تأطير النقاش حول قضايا المرأة في المغرب من خلال إدخال العنصر الديني باعتبار الملك أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة، وهو الشخص الوحيد المخول له دستوريا القيام بمهمة التحكيم بصفته الممثل الأسمى للأمة كما جاء في خطابه في ذكرى ثورة الملك والشعب سنة 2003.

كما شكلت قضية المرأة، وما تبعها من تجاذبات إيديولوجية، مناسبة لبروز إحدى أهم الاختصاصات الحصرية لمؤسسة إمارة المؤمنين، وهي رسم حدود الاجتهاد في الدين.

فرغم الحملات القوية التي شنها التيار المحافظ لرفض “الخطة” عبر استنكار معظم بنودها على أساس ديني، إلا أنه من داخل المرجعية الدينية تم توسيع دائرة الاجتهاد لتتوافق مع كثير من مواد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، على حد قول نزهة الصقلي وزيرة المرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية السابقة، مشيرة إلى أن إقرار المدونة عمل على دفع الإسلاميين إلى تجاوز مواقفهم الدفاعية والدوغمائية للتفكير أكثر في الإسلام كمصدر مرجعي له تفسيرات أكثر انفتاحا على حقوق المرأة.

 

مواقف حزب “المصباح” من التعديل

من جانبه وفي لقاء تواصلي له مع منظمة نساء حزب “المصباح”، اغتنم عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الفرصة لتأكيد مواقفه من تعديل مدونة الأسرة.

وأفاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن حزبه ليس ضد الإصلاح لما فيه صلاح للأسرة، غير أنه يرى أن المطالب التي يتم طرحها للنقاش من أجل تعديل مدونة الأسرة ستذهب بالمجتمع إلى الخراب بمبادئ قد تبدو جيدة.

وشدد على أن المرأة وحدها من ستدفع الثمن، لافتا إلى أن المجتمع ليس لطيفة الجبابدي أو أمينة بوعياش، قال إنهن يتقاضين الملايين، مضيفا أن المجتمع يضم عموم النساء والرجال الذين لا يستطعون التعبير عن رفضهم للمدونة.

في هذا الشأن، استهجنت جمعية “كيف ماما كيف بابا” المزايدات السياسوية والمغالطات العقيمة لحزب العدالة والتنمية، و قالت في بلاغ لها إنها تدين كل محاولة من شأنها تقويض الحوار البناء ومسار البحث عن حلول مستدامة.

ودعت الجمعية إلى ضرورة التركيز على مسائل حساسة مثل ثبوت الزوجية واقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الزواج والنيابة القانونية والحضانة وتعدد الزوجات والإرث، ذلك من أجل تقييم تأثيرها بشكل دقيق على حياة الأسر المغربية وضمان فهم جاد للصعاب والتحديات وكذا وضع إصلاحات ناجعة تكرس المساواة والعدالة.

 

في انتظار الأسابيع المقبلة..ورش التعديل يشارف على الانتهاء

اليوم وبعد 20 سنة من إقرار مدونة الأسرة، جاء الوقت لتعديل بعض النواقص فيها والسعي لملاءمتها مع تطور المشهد السوسيولوجي والتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع المغربي دون الخروج عن الثوابت، حيث أمر العاهل المغربي الملك محمد السادس الحكومة بفتح ورش جديد لتعديل مدونة الأسرة،

ووجه الملك محمد السادس رسالة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، مسندا الإشراف العملي على هذا الإصلاح الهام إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر إلى مركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.

وجاءت الرسالة حسب بلاغ للديوان الملكي، تفعيلا للقرار الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2022، و”تجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام”.

ودعا الملك محمد السادس إلى التعاطي مع مراجعة المدونة بنفس تطوري وتقدمي دون الخروج عن ثوابت الأمة التي تتأسس على مرجعية إسلامية معتدلة، سواء في معالجة زواج القاصرات وحصر سن الزواج في 18 سنة بالنسبة إلى الأنثى والذكر على حد السواء، والولاية على الأبناء، ومساطر النفقة، والطلاق، وتقسيم الممتلكات، وإثبات النسب، أو غيرها من المواضيع، باعتبارها كلها مطالب منظمات نسوية وبمباركة أحزاب حداثية.

وذا كان السؤال نعم أو لا يشكل في الواقع حدودا للإجماع، فإن استطلاعا للرأي أجرته “أفروباروميتر ” يكشف أن ما يقرب من ثمانية من كل 10 مغاربة (78 في المائة) يؤكدون أن أي إصلاح لمدونة الأسرة يهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين يجب أن يستند إلى الشريعة الإسلامية. وتشير النتائج إلى أن القضايا الرئيسية الثلاث التي يريد المغاربة أن تحظى بالأولوية في هذه المراجعة هي إجراءات الطلاق والمصالحة والنفقة ( 32 في المائة من المستجوبين)؛ العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج (25 في المائة)؛ وكذلك الزواج المبكر (22 في المائة).

ويجري حاليا تقييم دقيق للمساواة في قانون الأسرة، ويبدو أن الورش يتقدم في أشغاله بسرعة، ماذا ستكون النتيجة؟

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى