الأم “تيريزا المغرب” عائشة الشنا في ذمة الله

إعلام تيفي 

توفيت، صباح يومه الأحد 25 شتنبر 2022، عائشة الشنا، الناشطة الحقوقية ومؤسسة جمعية التضامن النسوى، بعد صراع طويل مع المرض.

وغادرت الأم ” تيريزا المغرب” إلى دار البقاء، بعد معاناتها من مضاعفات صحية ألمت بها في الآونة الأخيرة، ألزمتها الفراش، قبل أن توافيها المنية اليوم الأحد عن عمر ناهز 81 عاما.

وتعد عائشة الشنا ناشطة اجتماعية مغربية ومدافعة عن حقوق المرأة، عملت كممرضة مسجلة وبدأت العمل بصفتها موظفة في وزراة الصحة بالمغرب مع النساء اللاتى تنقصهن الرعاية.

طفولة عائشة الشنا

ولدت الشنا في مدينة الدارالبيضاء في عهد الحماية الفرنسية، ثم انتقلت إلى مدينة مراكش فقضت طفولتها المبكرة هناك. توفي والدها وهي في الثالثة من عمرها وتزوجت والدتها للمرة الثانية، وعندما أتمت الشنا الثانية عشرة من عمرها، تمنى زوج أمها أن تترك المدرسة ولكن على عكس رغبته، أعادتها أمها إلى الدار البيضاء لتعيش مع عمتها وتواصل تعليمها في مدرسة لغات فرنسية.

وبعد ثلاثة سنوات، تطلقت والدتها ولحقت بها في الدار البيضاء وبعد ذلك باعت مجوهراتها لتدعم ابنتها.

وبمغادرتها المدرسة في السادسة عشر من عمرها، وجدت عملا في مستشفى حيث عملت كسكرتيرة لبرامج أبحاث لمرضى الجدام والسل.

وخاضت الشنا امتحانات مدرسة التمريض عام 1960 بناءاً على طلب أصدقائها وتم قبولها.وبعد حصولها على دبلومة التمريض، عملت الشنا في وحدة التعليم بوزارة الصحة ثم انتهى بها المطاف لتعمل منسقة لبرامج التوعية الصحية.

وفي السبعينيات عام 1970, بدأت في إنتاج البرامج التلفزيونية والإذاعية المختصة بصحة المرأة، ومن ضمنها أول عمل تلفزيوني يدور حول التعليم الصحي

أعمالها الخيرية

في سنة 1959، شرعت الشنا في أولى أعمالها التطوعية في جمعية حماية الطفولة والعصبة المغربية لمحاربة داء السل.

وفي عام 1985, أسست جمعية “التضامن النسوي” وهي منظمة مختصة بمساعدة النساء العازبات وضحايا الاغتصاب، وكانت تدار في بادئ الأمر في الدار البيضاء.تدرب الجمعية النساء على الطبخ والحياكة والمحاسبة وغيرها من المهارات، وذلك بهدف إعادة ادماجهم هم (وأطفالهم) في المجتمع ومنحهم الاستقلال.

وفي عام2002, اتصفت الجمعية بكونها منظمة رسمية غير حكومية، ثم حصلت بعد ذلك على تبرع من الملك محمد السادس

في عام 1996، نشرت الشنا كتاب يسمى («البؤس: شهادات»)، والذى سردت فيه عشرين قصة عن النساء اللواتى عملت معهن.وصف الكتاب بكونه «إعلان النسوية» وأيضاً «منوعات من القصص الحزينة».

وحازت على جائزة في السفارة الفرنسية في الرباط والتى ترجمت لاحقاً إلى اللغة العربية.

الدفاع عن حقوق المرأة

وصفت الشنا نفسها بأنها تتمتع بقلب مسلم ولكن عقلها علمانى.ترجع شهرتها أثناء توليها منصب موظف في وزارة الصحة إلى عملها في المناطق الخاضعة للمحرمات الدينية والاجتماعية. بما في ذلك تنظيم الأسرة، ووضع الأمهات العازبات، ووضع الأطفال غير الشرعيين، ووضع ضحايا زنا المحارم. تلقت انتقادات متوالية من المحافظين الاجتماعيين، الذين ادعوا أن عملها يجعل من فساد الأخلاق شيئاُ شرعياً.

وفي عام 2009, حازت على جائزة أوبيس والتى يبلغ قدرها مليون دولار مكافأةً على عملها مع النساء المحتاجات للرعاية. لقد كانت أول مسلمة تفوز بهذه الجائزة، وصرحت بأن أموال هذه الجائزة ستكون ضماناً لاستمرارية مؤسستها حتى بعد مماتها.

الأمهات العازبات

في عام 1985وجهت اهتمامها صوب الأمهات العازبات، وكانت ترى الشنا أنها فئة اجتماعية هشة التي لا تتمتع بأي حق من الحقوق. وقامت في هذا الصدد، قامت عائشة بتأسيس “جمعية التضامن النسوي” ، وتقع الجمعية في حي النخيل بالدار البيضاء، وتضم عشرات “الأمهات العازبات”، وهو مصطلح يقصد به النساء اللواتي أنجبن أطفالا خارج مؤسسة الزواج الشرعي بمحض إرادتهن أو اللواتي تعرضن للاغتصاب إلا أن الشنا تفضل استعمال مصطلحي “النساء المتخلى عنهن” أو “النساء في وضعية صعبة” بدل مصطلح “الأمهات العازبات”.

واعتبرت عائشة الشنا هذه الفئة  ضحايا المجتمع والقانون، وكانت تصف أطفالهن أيضا  ب “الأطفال المتخلى عنهم” أو “الأطفال في وضعية صعبة”، بدل مصطلحات: “اللقطاء” أو “أولاد الزنا” أو “أطفال الشوارع، أنهم لم يختاروا “المجيء” إلى الدنيا، إنما جاؤوا إليها نتيجة علاقات عابرة، وغير شرعية، أو اغتصاب، أو وعود بالزواج كاذبة.تقدم الجمعية المساعدة القانونية والاقتصادية والنفسية للنساء، خصوصا تسهيل المساطر القانونية والإدارية فيما يتعلق بتسجيل الأولاد في المدنية، بالإضافة إلى تحسيس النساء بخطورة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.

كما تعمل على إدماج الأمهات وأطفالهن في عائلاتهن، حيث تمكنت الجمعية من جعل الآباء يعترفون بأولادهم فيسجلونهم في الحالة المدنية، بل إن بعض “الآباء” لم يقتصروا على الإقرار بالبنوة بل فضلوا الزواج بأمهات أولادهم. ففي سنة 2005 اعترف 68 أب بأطفالهم؛ 17 منهم فضلوا الاعتراف مع الزواج، بينما أقر 51 منهم بالبنوة فقط.

وتعتبر الشنا أنه لا يمكن تبيئة النموذج الأخلاقي الغربي في تربيتنا المغربية، وأنه ليس من حق المجتمع أن يتصرف كيفما شاء بدعوى أننا في القرن الواحد والعشرين، حسب رأيها المجتمع المغربي مسلم، وهي ضد الحرية الجنسية وضد العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج الشرعي، وتدعم التماسك الأسري. وتقول أن حرصها على هذا التماسك هو الذي جعلها تبذل جهدا كبيرا في سبيل أن يتعرف الابن على “أبيه البيولوجي” وحتى لا تختلط الأنساب فيتم السقوط في زنا المحارم وتحظى هذه الجمعية بإعجاب المناضلات والفاعلين الجمعويين عبر العالم.

رصيد الجوائز التي حصلت عليها

وحصلت عائشة الشنا على عدة أوسمة، حيث حصلت في سنة 1995 في باريس على جائزة حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية، وفي سنة 2000 حصلت على  وسام الشرف للملك محمد السادس، ثم حصلت في سنة 2005 على جائزة إليزابيت نوركال من نادي النساء العالمي بفرانكفورت، وفي سنة 2009 حصلت على جائزة أوبيس للأعمال الإنسانية الأكثر تميزا والبالغة قيمتها مليون دولار. 2009 بمينيابوليس (الولايات المتحدة)، وحصلت في سن 2013 على وسام جوقة الشرف من درجة فارس، من قبل فرنسا.

تركت عائشة الشنا رصيدا خيريا مهما بصمت فيه بإنسانيتها وعملها الكبير ، دفاعا عن المرأة والطفل في وقت كانت ولازالت فيه قضايا كتلك التي عملت عليها طابوهات يحرم الحديث عنها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى