أرقام جرائم العنف! التفاصيل المفقودة في تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية

حسين العياشي
في تقريره السنوي لعام 2024، عرض المجلس الأعلى للسلطة القضائية أرقامًا مفصلة حول العديد من القضايا المتنوعة التي تعرضت لها المحاكم المغربية، في مقدمتها الفساد القضائي والإداري. ومع ذلك، غاب عن التقرير أي إحصائيات واضحة بشأن قضايا العنف و القتل، وهي الجرائم التي تمس بشكل مباشر حياة المواطنين، وتثير قلقًا واسعًا في المجتمع. التقرير اكتفى بالإشارة إلى ارتفاع معدلات العنف بشكل عام، دون أن يقدّم أي أرقام تخص هذه الجرائم، ما يثير تساؤلات عن السبب وراء هذا التحفظ.
العنف، بمختلف أشكاله، أصبح ظاهرة متزايدة في الشوارع المغربية، من القتل العمد إلى الاعتداءات الجسدية في الأماكن العامة. لكن رغم هذه الحقائق المؤلمة، لا نجد في التقرير أي إحصائيات تتعلق بحجم العنف أو تفاصيل حول الجرائم المروعة. هل هو تحفُّظ مقصود؟ ربما كان المجلس الأعلى للسلطة القضائية يحاول الحفاظ على صورة المغرب، بعيدًا عن الأرقام التي قد تضعه في موقف محرج، خاصة في ظل تنامي ظاهرة العنف المجتمعي.
ليس من الإنصاف القول إن القضاء المغربي يعاني من مشاكل في التعامل مع قضايا العنف والقتل، فالقضاء يعمل بجدٍ للحفاظ على العدالة وتطبيق القوانين. إلا أن التفسير الأكثر منطقية لهذا التحفظ قد يكون الحرص على حماية صورة النظام العام، في وقت لا تزال فيه البلاد تتصدى لتحديات متزايدة في مجال الأمن الداخلي.
ورغم أن غياب هذه الأرقام قد يعطي انطباعًا خاطئًا حول واقع العنف في البلاد، إلا أن الواقع يشير إلى تزايد هذه الظاهرة بشكل لا يمكن تجاهله. فبينما يُفصح التقرير عن أرقام دقيقة حول قضايا الفساد والتلاعب القضائي، يبقى العنف و القتل بمثابة القضايا التي يفضل إخفاء تفاصيلها أو على الأقل التقليل من أهميتها.
هذه المفارقة تطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان التحفظ عن الأرقام هو وسيلة لتجنب الضغط الاجتماعي أم هو نتيجة لغياب الآليات الكافية لتوثيق هذه الجرائم.
إن الشفافية في الإحصائيات تعتبر جزءًا أساسيًا من تعزيز الثقة في النظام القضائي. إذا كانت المحاكم تحاول مواكبة التحديات التي تطرحها قضايا العنف، فلا بد من مواكبة هذه الجهود بأرقام دقيقة تعكس حجم المشكلة. في المستقبل، قد يكون من المهم أن يتبنى المجلس الأعلى للسلطة القضائية سياسة أكثر انفتاحًا فيما يخص الإبلاغ عن هذه الجرائم، لتوفير صورة كاملة عن واقع العنف في المغرب، وكيفية معالجته.
في نهاية المطاف، فإن التحفظ عن الأرقام في قضايا العنف والقتل يظل نقطة ضعف في التقرير السنوي، وهو ما يتطلب مراجعة في طريقة التعامل مع هذه القضايا في المستقبل. الشفافية في عرض الأرقام هي خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والسلطة القضائية.