أرقام واعدة تخفي واقعاً هشاً للصحة النفسية في المغرب

فاطمة الزهراء ايت ناصر

أبرز أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، إدراك وزارته للتحديات المرتبطة بالصحة النفسية في المغرب.

وأكد الوزير، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 29 أبريل 2025، أن قطاع الصحة النفسية في المغرب تشهد نقصا في الموارد البشرية المتخصصة.

وأوضح التهراوي أن عدد المهنيين المختصين في الصحة النفسية والعقلية بلغ  3230 شخصاً، منهم 319 طبيباً نفسياً في القطاع العام و274 في القطاع الخاص، بالإضافة إلى أطباء متخصصين في طب نفس الأطفال وممرضين مختصين.

ولتغطية الخصاص، أعلن الوزير عن تخصيص 123 منصباً مالياً خلال سنتي 2024 و2025، من بينها 34 طبيباً نفسياً و89 ممرضاً متخصصاً. كما تعمل الوزارة على توسيع قاعدة التكوين في المهن النفسية من خلال رفع عدد المقاعد بالمعاهد المتخصصة والتنسيق مع التعليم العالي لتفعيل برامج التكوين التطبيقي والبحث العلمي في هذا المجال بحلول 2030.

وفي إطار المخطط الوطني للصحة العقلية 2030، أعلن المسؤول أن الوزارة تعمل على تعميم مصالح الصحة النفسية في المستشفيات العامة، وتوسيع وحدات الاستشارات النفسية الخارجية، وإنشاء فرق متخصصة لتدبير الأزمات النفسية، فضلاً عن تعزيز خدمات إعادة التأهيل والدعم الاجتماعي.

وكشف الوزير في جواب طرحه يوسف أيدي عن الفريق الاشتراكي حول الإشكاليات التقنية والعملية والثقافية للولوج الى الصحة النفسية، أن نسبة التغطية الصحية بلغت حوالي 88% من مجموع الساكنة مع نهاية سنة 2024.

وأوضح الوزير أن التحويل التلقائي لأزيد من 11 مليون مستفيد من نظام “راميد” إلى نظام “آمو تضامن”، مكن المواطنين من الولوج إلى خدمات القطاعين العام والخاص.

وذكر المسؤول أنه تم تسجيل نحو 3.8 مليون مؤمن من الفئات المستقلة وذوي حقوقهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وأكد التهراوي أن الوزارة ستوفر خدمات علاجية “عالية الجودة” تعيد ثقة المواطنين في المستشفيات العمومية، وتضمن جاذبيتها واستدامتها، بفضل التمويل المتأتي من اشتراكات التأمين الإجباري عن المرض.

وأشار إلى أن الإصلاحات تشمل إحداث المجموعات الصحية الترابية وإعادة هيكلة الخريطة الصحية الوطنية عبر وضع خرائط جهوية صحية، وتنظيم العرض العلاجي بطريقة منصفة ومتكاملة.

وشدد الوزير على أن استدامة هذه المنظومة رهينة بانخراط كافة الفئات في أداء واجبات الاشتراك، مع التزام الدولة بتغطية مساهمات غير القادرين بناء على معايير شفافة وعادلة.

وطالب يوسف أيذي بحملة توعوية للمواطنين حول اهمية الصحة التنفسية، وبتوفير الامكانيات باعتبار مراكز الصحة النفسية بالأقاليم أصبحت عبء حقيقيا على مندوبيات الصحة والسلطات الإقليمية في تدبيرها.

وذكر أيذي بالمركز الاستشفائي التفسي بشفشاون مشيرا الى ان السلطات المحلية تقوم بمجهود كبير لضمان استمراره أمام غياب الاطر الصحية المتخصصة وضعف الامكانيات التي تؤدي بالمرضى الى عدم الاستمرار في العلاج وبالتالي يفرز تواجد المرضى النفسيين والعقليين داخل المجتمع

وأشار الى أن تكلفة العلاج في القطاع الخاص باهضة لا يقوى المواطن المغربي خاصة ذوي الدخل المحدود على تحمله

في عام 2015، وضعت الحكومة المغربية حداً لواحدة من أبرز صور التهميش التي طالت المرضى النفسيين، بإنهاء ما عرف بمستشفى “بويا عمر” بضواحي قلعة السراغنة، حيث كان يُحتجز مئات المختلين عقلياً في ظروف تفتقر لأبسط شروط الكرامة الإنسانية.

في 29 يونيو من السنة نفسها، أعلنت وزارة الصحة رسمياً نجاح المرحلة الأولى من عملية “كرامة”، التي شملت نقل المرضى إلى مستشفيات متخصصة بعد إخضاعهم للفحوص الطبية اللازمة.

وحسب معطيات الوزارة، فقد استقبلت المؤسسات الصحية 795 مريضاً، كان من بينهم 5% من النساء، بينما أعادت الأسر 27 مريضاً إلى كنفها بطلب شخصي.

رغم الطابع الإنساني للمبادرة، لم تستطع الحكومة، خلال السنوات التي تلتها، توفير عدد كافٍ من المراكز المتخصصة التي تحترم الحدود الدنيا للرعاية والكرامة، مما أعاد فتح النقاش حول جدوى الإجراءات المتخذة، وحول مصير هؤلاء المرضى بعد إخراجهم من “بويا عمر”.

فأغلب المستشفيات والمراكز الصحية التي وضعت رهن إشارة المرضى في يونيو 2015، سرعان ما تخلت عنهم، أو فضلوا الهروب منها، أو تحولت إلى سجون بالنسبة إليهم.

وروّجت الحكومة حينها لمبادرة “كرامة” باعتبارها حجر الزاوية في المخطط الوطني للصحة النفسية والعقلية، معلنة عن مشاريع طموحة تشمل بناء وتجهيز ثلاثة مستشفيات متخصصة في أكادير، القنيطرة وقلعة السراغنة، بطاقة استيعابية تصل إلى 120 سريراً لكل منها.

كما تم الإعلان عن إنشاء مركب طبي نفسي اجتماعي بمنطقة بويا عمر، يهدف إلى التكفل الطبي والاجتماعي بالمرضى، إلى جانب إعادة تأهيل مستشفى برشيد، وافتتاح مرافق جديدة بمستشفى الرازي بتيط مليل والمستشفى الإقليمي ابن مسيك.

لكن هذه المشاريع التي حملت في بدايتها وعوداً كبيرة سرعان ما اصطدمت بجدار الواقع، إذ لم يُنفذ منها إلا القليل، فيما بقي معظمها مجرد وعود معلقة لم تجد طريقها إلى التفعيل.

وشهد المغرب في الأيام الأخيرة تنامياً مقلقاً لجرائم القتل المرتكبة من طرف مرضى عقليين ونفسيين، خصوصاً في القرى والمدن الصغيرة حيث تفتقر البنيات الصحية المتخصصة للعناية بهذه الفئة. وغالباً ما تكون هذه الجرائم نتيجة غياب المتابعة الطبية، وافتقار المحيطين بالمرضى للوعي الكافي بحالتهم وخطورتها المحتملة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى