أسطح المغرب تحمل مفتاح الاستقلال الطاقي.. هكذا سيتم تقليص فاتورة الكهرباء

حسين العياشي

كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز “إيمال” من أجل المناخ والتنمية، أن أسطح المباني وحدها يمكن أن تغطي جزءاً كبيراً من احتياجات البلاد من الكهرباء. هذه الرؤية الطموحة، التي تستند إلى تحليل علمي وبيانات دقيقة، لا تفتح فقط آفاقاً اقتصادية واعدة، بل ترسم ملامح تحول استراتيجي قد يجعل من الطاقة الشمسية ركيزة رئيسية في التنمية الوطنية.

في بلد يعرف نمواً سكانياً متسارعاً، وتوسعاً عمرانياً غير مسبوق، تتصاعد الحاجة إلى الكهرباء بوتيرة حادة، وتتعقد المعادلة: كيف يمكن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة دون الإخلال بالتزامات المغرب البيئية والمناخية؟ فحسب أرقام 2023، بلغت فاتورة الطاقة الوطنية أكثر من 140 مليار درهم، أي ما يفوق 6% من الناتج الداخلي الخام، في وقت يظل فيه سعر الكيلوواط في الساعة من بين الأعلى في المنطقة. ضغطٌ يثقل كاهل المالية العمومية والمواطن على حد سواء، ويطرح تساؤلات جوهرية حول استدامة النموذج الطاقي الحالي.

لكن الحل، كما تشير إليه مبادرة “إيمال”، قد يكون فوق رؤوسنا. فالمغرب يمتلك ثروة غير مستغلة بعد: أسطح مبانيه. التقرير الجديد للمبادرة يقدم أول تحليل وطني متكامل لإمكانات الطاقة المتجددة اللامركزية، وعلى رأسها الطاقة الشمسية فوق الأسطح. والرسالة واضحة: «تطوير الطاقة الشمسية على الأسطح لم يعد ترفاً، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية». ومع انخفاض أسعار الألواح الشمسية بأكثر من 80% خلال عقد واحد، وتراجع كلفة البطاريات بشكل مستمر، أصبحت هذه التكنولوجيا ناضجة وميسورة التكلفة، متماشية تماماً مع أهداف المساهمة الوطنية المحددة الجديدة (CDN 3.0) ومع توجهات النموذج التنموي الجديد الذي يجعل من الإنتاج اللامركزي رافعة للموثوقية والتنافسية الطاقية.

الدراسة ترسم سيناريوهات متعددة تمتد إلى أفق 2035. ففي السيناريو الأكثر طموحاً، يمكن للطاقة الشمسية اللامركزية أن تنتج 66.8 تيراوَاط ساعة بقدرة مركّبة تصل إلى 28.6 جيجاواط، ما سيتيح تجنب 48 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وخلق سوق اقتصادية تقدر بنحو 31 مليار دولار. أما السيناريو المحافظ، فيظل بدوره واعداً، مع إنتاج 20 تيراوَاط ساعة وتفادي أكثر من 14 مليون طن من الانبعاثات. وبحسب تقديرات التقرير، فإن تحقيق قدرة مركّبة في حدود 17 جيجاواط كفيل بخلق 26 ألف فرصة عمل مباشرة، بينما قد يصل هذا الرقم إلى 43 ألف وظيفة في السيناريو الأوسع. إنها ليست مجرد معادلة تكنولوجية، بل فرصة لإحياء الصناعة الوطنية، وتحفيز التنمية الجهوية، وبناء اقتصاد أخضر شامل.

غير أن هذا التحول الطاقي يستدعي إعادة تفكير شاملة في البنية الكهربائية للمملكة. فالإنتاج المحلي للكهرباء من الأسطح يمكن أن يقلّص الاعتماد على المحطات الحرارية، ويثبت أسعار الكهرباء للمستهلكين، ويساعد على مواجهة فترات الذروة. لتحقيق ذلك، يدعو التقرير إلى تحديث الشبكات الكهربائية، وتبني تسعيرات ديناميكية، وتعزيز الربط الجهوي، وتطوير أنظمة ذكية لإدارة المرونة الطاقية. كما يعيد التقرير تعريف دور المواطن نفسه: فبفضل تزاوج الطاقة الشمسية مع التخزين المنزلي والسيارات الكهربائية والتقنيات الرقمية، يمكن للمغربي أن يتحول من مجرد مستهلك إلى «منتِج-مستهلك» للطاقة، ينتجها ويخزنها ويستهلكها ويبيعها. ومع توقع بلوغ عدد السيارات الكهربائية 2.5 مليون سيارة بحلول 2035، فإن هذه المركبات وحدها قد تمثل خزاناً طاقياً متنقلاً يغطي نحو 91% من الطلب الوطني على الكهرباء، ويستجيب لـ98% من حاجات الشحن بالاعتماد على الطاقة الشمسية فوق الأسطح.

ورغم هذا الأفق المشرق، تظل العقبات التنظيمية حجر عثرة أمام الانطلاقة الحقيقية. فبين عامي 2011 و2023، استثمر الأفراد والمصانع 3.36 مليار درهم في تركيب 336 ميجاواط من الطاقة الشمسية اللامركزية، غير أن غياب إطار قانوني واضح يحد من انتشار هذه المبادرات. فلا يوجد حتى الآن سجل وطني للمنشآت الشمسية، ما يضعف شفافية القطاع ويعوق وصوله إلى التمويلات. ويشير التقرير بأسف إلى أن «ما فشلنا فيه هو منح الاعتراف المؤسسي والقانوني لحركة قائمة بالفعل».

أمام هذا الواقع، تقترح المبادرة سلسلة إصلاحات عاجلة: الإسراع في إصدار المراسيم التطبيقية للقانون 82-21 المتعلق بالإنتاج الذاتي، وإنشاء صندوق وطني لدعم استثمارات الأسر والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، واعتماد أكواد بناء جديدة تراعي التقنيات الخضراء، إلى جانب تأهيل الكفاءات المحلية وإطلاق نظام وطني للبيانات المفتوحة لتتبع المشاريع. فالإنتاج اللامركزي، كما يختم التقرير، يمكن أن يشكل ركيزة حقيقية للانتقال الطاقي المغربي عبر مبدأ التضامن الطاقي الوطني، شرط أن يُعامل على قدم المساواة مع الاستثمارات الكبرى التقليدية.

بهذه الرؤية، لا يبدو المستقبل الطاقي للمغرب مجرد خيار بين اقتصاد وبيئة، بل طريقاً نحو سيادة طاقية نظيفة، تؤمن للبلاد استقلالها الكهربائي وتمنح المواطن دوراً فاعلاً في بناء الغد المستدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى