أسلي.. بطل قصة عرس كلميمة وأيقونة الفرح والتقاليد (ربورتاج)

فاطمة الزهراء ايت ناصر
في الجنوب الشرقي للمغرب، وبخاصة في منطقة كلميمة التي تحتضن قبائل عديدة، تتجلى أعراس الزفاف كلوحة فنية تنبض بالألوان والأنغام والتقاليد العريقة التي توارثتها الأجيال عبر الزمن. كل قبيلة وكل جهة تضفي على حفل الزواج نكهتها الخاصة، لكن هناك خطوطًا عريضة تجمع بين الجميع، تعكس عمق الروابط الأسرية والاجتماعية وروح الفرح الصادق.
في اليوم الأول من العرس، تتحول دار العريس إلى مسرح حي للفرح والتواصل العائلي. تجتمع العائلة الكبيرة والصغيرة، وكل من له صلة بالعريس، في أجواء مفعمة بالدفء والمحبة. يقضون النهار كله داخل البيت، يشارك الجميع في الغذاء، ويغمر المكان جو من البهجة والألفة.
مع حلول المساء، تصل الضيوف من القرى والمناطق المجاورة، من أصدقاء وجيران وأحباب، ليحتفلوا مع العائلة في مأدبة عشاء غنية تجمع بين البساطة والكرم الأصيل.
اليوم الثاني يحمل في طياته أكثر اللحظات بهجة، حيث تتوافد النساء إلى منزل العريس في الصباح، ثم ينتقل الجميع إلى منزل العروس محملين بالهدايا التي تعبّر عن الفرح والاحترام. لا يقتصر الأمر على الهدايا المادية كالملابس، الذهب، الفضة، والمواد الغذائية، بل تترافق هذه الهدايا مع أضحية ضخمة غالبًا ما تكون خروفًا أو بقرة، ترمز إلى البركة والكرم.
في طريقهم نحو بيت العروس، يغنون ويرقصون، مرتدين الأزياء التقليدية، يرددون الأهازيج والأغاني التي تعبر عن الفرح والاحتفال، تنساب أصواتهم مع دقات الطبول والدفوف، فتتحول القافلة إلى موكب من الفرح يحتفل بالارتباط الجديد.
عند وصولهم إلى بيت العروس، يستقبلون بالحليب والتمر، رمزًا للضيافة المغربية الأصيلة. يتبادل الجميع التهاني ويلتقطون الصور التذكارية، في مشهد يعكس تلاحم العائلتين. ومن هنا تبدأ الاستعدادات ليوم الحناء.
يُعتبر يوم الحناء من أهم أيام العرس، يحمل بين تفاصيله رموزًا وجماليات فريدة. العريس، وفق التقاليد، يركب حصانًا يغطى وجهه بقماش أبيض، يرتدي الملابس التقليدية الخاصة، ولا يُسمح لأحد برؤيته لمدة ثلاثة أيام، ليبقى مميزًا ومختلفًا عن الحضور.
يرافقه في هذه الأيام شاب من القبيلة يُلقب بـ«الوزير»، يتولى العناية بالعريس، وينسق شؤونه، من الأكل إلى التنقل، حتى الحمام والحلاق. حضور الوزير هو ضمان لاستقرار العريس وسير الأمور بسلاسة.
يظل العريس متخفيًا حتى يدخل بيت الحناء حيث توضع له الحناء في يده، ويرافقه ذلك وضع الحناء للعروس على يديها وقدميها، مشهد يكتنفه الفرح والتقارب بين الزوجين المستقبليين، تزدحم الأهازيج والأغاني الأمازيغية التي تُعزف وتُردد ببهجة، مُعلنة بداية حياة جديدة.
في يوم الزفاف الرسمي، يرتدي العروسان ما يصل إلى خمس أزياء مختلفة، تنسجم كل منها مع الآخر في أناقة وتقاليد. من التكشيطة والقبطان إلى اللباس الأمازيغي التقليدي، الذي يمثل قمة الاحتفال حيث يلبس الجميع لباسًا متشابهًا، لتتراقص فرقة أحواش في قاعة العرس، تحمل ألوان المنطقة وروحها في كل حركة وإيقاع.
وفي الزي السوسي، يُفرغ العريس الشاي للضيوف بينما توزعه العروس، مشهد يكمل دائرة الفرح والتلاحم بين العائلتين والحاضرين.
أما اليوم الثالث، فيتميز بحضور عائلة العروس، محملة بأطيب الأطعمة الشعبية والحلويات والمشروبات، تعبيرًا عن فرحتهم واعتزازهم بابنتهم التي صارت زوجة.
وتحتفي النساء والشابات معًا بالأغاني والرقصات الأمازيغية في جو مليء بالألفة والحب.