إحصائيات مزيفة..فخ الوقوع في المحظور في شبكات التواصل الاجتماعي

بشرى عطوشي 

في الوقت الذي تغمر فيه شبكات التواصل الاجتماعي بسيل من “الإحصائيات” و”التصنيفات الدولية” التي تنتشر بسرعة البرق، بات من الضروري التحذير من الوقوع في فخ القوائم غير الموثوقة التي تُصاغ غالباً دون مصادر واضحة أو منهجيات معتمدة.

النموذج الأخير هو تلك القائمة المتداولة التي تزعم تصنيف “أسوأ 25 دولة من حيث جودة الحياة في 2025”، والتي انتشرت على أنها صادرة عن جهة عالمية مختصة، بينما هي في الحقيقة مجرد منشور مبهَم لا يستند إلى أي تقرير رسمي أو قاعدة بيانات معترف بها.

تكمن خطورة مثل هذه القوائم في أنها تُلبِس معلومات غير مؤكدة ثوب “الحقائق العلمية” عبر استخدام أسماء حسابات تبدو رسمية أو عبر دمج شعارات وأيقونات قد تُوهم القارئ بأن المعطيات دقيقة.

وغالباً ما تُنتزع أسماء الدول من سياقات معقدة، ثم تُرتّب بشكل قاطع دون مراعاة الفوارق الهائلة بين المؤشرات العالمية أو حتى الظروف الداخلية لكل بلد.

والأسوأ من ذلك أن بعض هذه القوائم تُقصي دولاً تعاني أزمات بنيوية حادة، بينما تدرج دولاً أخرى بناءً على معايير غير مفهومة، مما يُضعف مصداقيتها ويكشف انتقائيتها.

الإحصاءات الحقيقية تعتمد على منهجيات واضحة، قواعد بيانات قابلة للمراجعة، ومؤسسات دولية تُعلن معاييرها بشفافية. فعندما تنشر جهات مثل الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو المؤشرات الاقتصادية المعروفة تقارير جودة الحياة أو التنمية البشرية، فهي توفّر منهجيات قياس دقيقة تشمل عناصر الصحة والتعليم والدخل والقدرة الشرائية والأمان والمؤسسات، مما يسمح للباحث أو القارئ بفهم السياق الكامل قبل الخروج بأي حكم.

في المقابل، المنشورات المجهولة تتلاعب بمشاعر المتلقين، وتستثمر في صدمة العناوين وسهولة إعادة المشاركة، مما يجعلها تنتشر أسرع من الحقائق. ولذلك، من المهم التعامل مع أي قائمة “جاهزة” تنتشر على مواقع التواصل بحدٍّ عالٍ من الشك، خصوصاً عندما لا تتضمن رابطاً لمصدر رسمي، أو شرحاً لمنهجية التقييم، أو بيانات مفصلة يمكن التحقق منها.

إن تصديق أرقام عشوائية أو إعادة نشرها لا يسيء فقط إلى صورة دول وشعوب، بل يساهم في نشر معلومات مضللة يمكن أن تستعمل لأغراض سياسية أو دعائية أو اقتصادية. لذلك، يبقى الوعي النقدي ضرورة، والتحقق من المصادر واجباً، ومراجعة المؤسسات الرسمية شرطاً أساسياً قبل اعتماد أي “إحصائية” يتم تداولها في الفضاء الرقمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى