
حسين العياشي
يشهد سوق الأمن السيبراني في المغرب تحوّلاً سريعاً ومتسارعاً، حيث وصل حجمه حالياً إلى 1.2 مليار دولار، مدفوعاً بنمو الاقتصاد الرقمي وارتفاع مستوى التهديدات التي تشهدها البلاد.
يشير تقرير “Ken Research” حول “سوق الأمن السيبراني في المغرب” إلى أن هذا النمو يعكس السباق الذي يخوضه المغرب لتأمين امتداد اقتصاده الرقمي، وسط تهديدات غير مسبوقة تتطلب استجابة مستمرة من القطاعين العام والخاص. في هذا السياق، فإن التحول الرقمي الواسع وزيادة الهجمات الإلكترونية تفرض على الشركات والإدارات الحكومية تغيير أولوياتها الأمنية، مع تصاعد الهجمات السيبرانية بشكل ملحوظ.
تعد العاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء، المركز الأساسي لهذا التحول، إذ تظل المدينة المحرك الرئيسي للطلب على حلول الأمن السيبراني المتقدمة. أما العاصمة الرباط، فهي تلعب دوراً مهماً في توجيه الطلب في القطاع العام، بينما تساهم مدينة طنجة، التي تشهد نمواً كبيراً في القطاع الصناعي، في إضفاء بعد آخر على خريطة التهديدات الأمنية في الاقتصاد المغربي.
ويتضح أن الحكومة المغربية، وبموجب استراتيجيتها الوطنية للأمن السيبراني التي أُقرّت في 2023، قد وضعت خطة طموحة لدعم هذا التحول، حيث خصصت 100 مليون دولار لتفعيل هذه الاستراتيجية، إضافة إلى إنشاء وكالة متخصصة وتعزيز قدرات المراقبة والدعم الفعّال للشراكات بين القطاعين العام والخاص. هذا التدخل الحكومي أصبح ضرورياً في ظل الزيادة المطردة في الهجمات السيبرانية، حيث تم تسجيل 1,300 هجمة خلال عام واحد، وهو ما يعكس زيادة بنسبة 30% في التهديدات.
وتتصدر خدمات “كشف الاستجابة المدارة” (MDR) ومراكز العمليات الأمنية (SOC) المشهد، حيث يشير التقرير إلى أن خدمات MDR أصبحت العنصر الأساسي في مواجهة هذه التهديدات، بسبب الحاجة إلى مراقبة مستمرة وقدرة على الاستجابة الفورية. وتضطر العديد من الشركات التي تعاني من نقص في الكفاءات الداخلية إلى الاستعانة بمقدمي خدمات متخصصين في هذا المجال. كما تكتمل المنظومة الأمنية بخدمات أخرى مثل إدارة الثغرات الأمنية والاستخبارات المتعلقة بالتهديدات.
ويظهر القطاع العام كأكبر مستخدم لحلول الأمن السيبراني، نظراً لحساسية البيانات التي يعالجها والتهديدات المستمرة التي تواجهها المؤسسات الحكومية. يليه القطاع المالي الذي يُعدّ عرضة لمخاطر معقدة ويخضع لرقابة صارمة، بينما تشهد قطاعات مثل الاتصالات، الصحة، والصناعة زيادة كبيرة في استثماراتها في حلول الكشف والوقاية من التسللات.
في مواجهة هذا النمو المتسارع، تزداد حدة المنافسة في السوق. ووفقاً لتقرير “Ken Research”، هناك حضور مستمر للاعبين دوليين مثل “Orange CyberDefense”، “Atos”، “IBM Security”، “Cisco”، “Palo Alto Networks”، و”Fortinet” وغيرهم. هذه الشركات تُسهم في تحسين مستوى الابتكار، وتقديم التدريب، وتعزيز تطبيق المعايير العالمية التي ترفع من مستوى نضج السوق المغربي، رغم أنها تساهم أيضاً في زيادة الاعتماد التكنولوجي على الخارج.
لكن مع هذه التطورات، يواجه القطاع تحديات هيكلية تتطلب مواجهتها بشكل عاجل. أولى هذه التحديات هي نقص الكفاءات المتخصصة في هذا المجال، إذ يوجد في المغرب نحو 6,000 خبير معتمد بينما الحاجة تقتضي وجود 12,000 متخصص. هذا النقص يبطئ من انتشار الحلول المتقدمة ويجبر الشركات على اللجوء إلى الاستعانة بمصادر خارجية لتغطية هذه الفجوة.
إضافة إلى ذلك، تواجه الشركات المغربية تحديات مالية، إذ أن تكاليف تنفيذ حلول “MDR” و “SOC” تتراوح بين 250,000 و1.2 مليون درهم، مما يشكل عائقاً أمام العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
رغم ذلك، تظل الرقمنة أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في المغرب، حيث من المتوقع أن تمثل الاقتصاد الرقمي حوالي 120 مليار درهم من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعاً بالأنظمة السحابية والخدمات المالية الرقمية والصناعة المتصلة والإدارة الرقمية. هذا النمو يوسع من نطاق المخاطر ويزيد من الطلب على الحلول المتطورة التي يمكنها التصدي للهجمات المتزايدة والمتغيرة.
وفيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية، يظهر التقرير تفاؤلاً حذرًا. من المتوقع أن يستمر تصاعد التهديدات في تحفيز الطلب على حلول “MDR” و “SOC”، بينما ستدفع القوانين والأنظمة الحكومية الجديدة، إلى جانب التحسن المستمر في مهارات القوى العاملة المحلية، الشركات إلى تعزيز أمنها السيبراني. كما أن الشراكات التكنولوجية مع الشركات العالمية وزيادة استثمار الشركات المحلية في تطوير مهاراتها ستساهم في بناء سوق سيبراني قوي ومستدام في المغرب.
في النهاية، يوفر تقرير “Ken Research” قراءة شاملة لسوق الأمن السيبراني في المغرب، ويُبرز التحديات والفرص التي يتضمنها هذا القطاع المتنامي، والذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من استقرار الاقتصاد المغربي في ظل تهديدات سيبرانية متزايدة ومعقدة.





