استقالات جماعية تُربك دواليب التعمير داخل مجلس الرميلي

حسين العياشي
لم يعد ملف التعمير في الدار البيضاء مجرد مسطرة تقنية داخل دهاليز الإدارة؛ بات عنواناً لعاصفة تنظيمية تهز أكبر جماعة في المغرب. ففي أسابيع قليلة توالت الاستقالات والإعفاءات على نحو أربك الإيقاع العام للمرفق: مدير التعمير والممتلكات والشؤون القانونية وضع مفاتيحه وغادر، ورئيس قسم التعمير أُعفي من مهامه، قبل أن تُكلَّف موظفة بتسيير القسم مؤقتاً، فيما وصلت إلى مكتب العمدة نبيلة الرميلي مراسلة من نائبها المفوَّض في قطاع التعمير يلتمس فيها الإعفاء. وتشي الكواليس بأن الموجة لم تهدأ بعد، وأن الباب قد يظل موارباً أمام استقالات أخرى.
في الخلفية، تتردد أصداء توتر قديم انفجر قبل أشهر مع “انتفاضة” مهندسين ضد مسؤولة سابقة. وعلى الضفة المقابلة، يتكدس انتظارُ المواطنين لخدمات إدارية في المستوى وتسريعٍ للإجراءات، بينما تطفو على السطح اتهامات لبعض المنتخبين بتغليب الحسابات الضيقة على المصلحة العامة.
بين هذين الضغطين، وجدت الإدارة نفسها في مأزقٍ تنظيميٍّ تتداخل فيه الصلاحيات وتتشابك فيه القرارات، حتى بدا قطاعٌ حيوي بحجم التعمير وكأنه يفتقر إلى بوصلة واضحة.
النائب الذي تخلّى عن التفويض قدّم تعليلاتٍ لا تخطئها العين: نقصٌ في الموارد البشرية، هشاشة في الوسائل اللوجستيكية، وصعوبات يومية تجعل تحقيق النجاعة الإدارية أقرب إلى مجاهدة مستمرة. وذهب أبعد من ذلك، حين لمح إلى تفكك الفريق الذي اشتغل على تشكيله، بسبب قرارات إدارية مست بعض أعضائه، ما أفرغ التجربة من سندها العملي.
وبموازاة ذلك، وجّه رئيس مصلحة الممتلكات بدوره طلب إعفاء إلى رئاسة المجلس، في مؤشر إضافي على عمق الأزمة داخل المديرية المعنية.
هكذا وجد ملف التعمير نفسه في قلب عاصفة مكتملة الأركان: مواطنون ينتظرون مساطر سلسة وشفافة، منتخبون تتقاذفهم الحسابات والاصطفافات، وإدارة تحتاج إلى أدوات ويد عاملة وخريطة طريق.
وما بين رغبةٍ في الإصلاح وواقعٍ يزدحم بالعوائق، تبرز الحاجة إلى معالجة مؤسسية تُعيد ترتيب البيت من الداخل: ضبط تفويضات المسؤوليات، توحيد قنوات اتخاذ القرار، تحصين المساطر من التدخلات، وتمكين الأطر والمهندسين بما يلزم من موارد ومعايير.
الدار البيضاء، التي يكبر طموحها كل يوم، لا تحتمل ترف الانتظار. وإذا كان الزلزال التنظيمي قد كشف هشاشاتٍ مزمنة، فإنه في الوقت نفسه يتيح فرصة نادرة لبناء منظومة تعميرٍ حديثة، تُوازن بين الصرامة القانونية والفعالية الإدارية، وتجعل المرفق العمومي في خدمة الناس لا في أسر التجاذبات. الطريق إلى ذلك يبدأ بإرادة واضحة، ومصارحة شفافة، وقرارٍ يعيد للقطاع توازنه وللمدينة حقها في تخطيطٍ يحترم إيقاع نموها وكرامة ساكنتها.





