التامني تكشف أسباب إقبار آلية دستورية تضمن عمليا حقوق الأفراد وحرياتهم

حسين العياشي

تعتبر النائبة البرلمانية فاطمة التامني، أن إقبار مشروع القانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين، يمثل انتكاسة حقيقية في مسار بناء دولة الحق والقانون. هذا المشروع، الذي كان يهدف إلى تمكين المواطنين من الطعن في القوانين التي تمس حقوقهم وحرياتهم الأساسية، كان يشكل خطوة محورية في تعزيز سمو الدستور وترسيخ مبدأ حماية حقوق الإنسان. ورغم الأهمية الكبيرة التي كان يحملها هذا القانون في ضمان حقوق الأفراد، فإن قرار إقباره قد أثار تساؤلات عديدة حول الإرادة السياسية التي تقف خلف هذا التوقف المفاجئ.

التامني عبّرت عن موقفها بوضوح، في تصريحها ل”إعلام تيفي”، معتبرة أن عرقلة هذا المشروع يمثل ضربة موجعة لسمو الدستور وعلوية حقوق الإنسان، خاصة في إطار التطلعات التي كان يحملها دستور 2011، الذي نص في فصله 133 على إتاحة الفرصة أمام المواطنين للطعن في القوانين التي قد تتناقض مع الدستور. بالنسبة للتامني، كان من المتوقع أن يعزز هذا المشروع آليات حماية الحقوق والحريات، ويُسهم في تفعيل الرقابة الدستورية الشعبية على التشريعات والسياسات العمومية.

إلا أن ما حدث كان مخالفًا تمامًا لهذه التطلعات. إذ أن إقبار هذا المشروع، بحسب التامني، يمكن أن يُفهم في إطار “الإرادة السياسية لفرملة أي تطور ديمقراطي حقيقي”. فالنائبة ترى أن تعطيل هذا المشروع لا يعني فقط حرمان المواطنين من آلية قانونية متقدمة لحماية حقوقهم، بل هو أيضًا إشارة إلى وجود تردد في إحداث تغييرات جوهرية تؤسس لدولة الحق والقانون.

الفكرة الأساسية التي كانت تروج لهذا المشروع هي أن يسمح للمواطنين والأطراف المتضررة بالتوجه إلى القضاء للطعن في القوانين التي قد تضر بحقوقهم وتسلب حرياتهم الأساسية المكفولة. وكان من المتوقع أن يكون هذا المشروع خطوة ملموسة نحو تكريس مبدأ سمو الدستور فوق أي تشريع آخر، مما يعزز الديمقراطية ويرسخ سيادة القانون. ولكن ما حدث كان عكس ذلك، حيث تم دفن المشروع تحت ذريعة “التريث” و”انتظار الظروف الملائمة”، وهو ما اعتبرته النائبة التامني حججًا واهية تخفي وراءها خوفًا من رقابة دستورية شعبية.

النائبة التامني تعتبر أن هذا التصرف يعكس تراجعًا خطيرًا عن الالتزامات الدستورية، وهو تراجع ينم عن رغبة في الحفاظ على الوضع القائم بدلاً من العمل على إصلاحه. تقول التامني في تصريحاتها إن ما كان يُنتظر من الحكومة والبرلمان هو تسريع اعتماد هذا القانون التنظيمي، وتوسيع نطاقه ليشمل الأفراد والجمعيات، وهو ما من شأنه أن يعزز شفافية التشريعات ويسهل الوصول إلى آليات الطعن القانونية. لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، حيث تم إغلاق هذا الملف في ظل ظروف غامضة، ما يثير القلق بشأن دوافع هذا التأجيل.

إن إعادة فتح النقاش العمومي حول هذا المشروع وإقراره في أقرب الآجال هو المطلب الذي أطلقته النائبة فاطمة التامني، إذ أكدت أنه يجب إقراره لضمان علويّة الدستور. وهذا ما يراه البعض فرصة لتعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان حقوق المواطنين في مواجهة أي تشريع قد ينتهك هذه الحقوق.

في الختام، فإن إقبار هذا المشروع يُعد بمثابة خطوة إلى الوراء في مسار الإصلاحات السياسية والقانونية في البلاد. فكما أكدت النائبة فاطمة التامني، فإن هذا التراجع يهدد بإضعاف آليات حماية الحقوق والحريات، ويضعف الثقة في المؤسسات التشريعية. يبقى أن العودة إلى فتح النقاش حول هذا المشروع هو المخرج الوحيد لضمان سمو الدستور وتعزيز الديمقراطية في البلاد، ليكون هذا الطرح بداية لفتح أفق الإصلاحات التي تكفل للمواطنين حقوقهم وتؤسس لدولة قانون حقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى