الحلقة (13): الحوز بين أنقاض الزلزال وصمت الإهمال: سعيد لكورش يبدّل الانتماء ويجمّد التمثيل

حسين العياشي

كما في المسرح التراجيدي، تبدأ الحكاية دائماً بكارثة، لا لتكون خلفية عابرة، بل لتفضح أبطالها واحداً واحداً. وزلزال الحوز لم يكن استثناءً؛ آلاف الأرواح، قرى سويت بالأرض، وأسئلة كبرى عن من كان يفترض أن يكون صوت هذه الجبال في الرباط.. فإذا بالصمت يخرج من تحت الأنقاض أكثر صلابة من الحجر.

بطل حلقة اليوم هو النائب البرلماني التّجمعي سعيد لكورش، الذي كان يشغل منصب رئيس بلدية أيت أورير بقبعة لـ”بي جي دي”؛ هو اليوم يمثل دائرة الحوز التي ما زالت، إلى اليوم، تعيش ارتدادات الزلزال أكثر مما تعيش ارتدادات السياسات العمومية. لكورش نموذج سياسي لا يحتاج إلى تعريف إيديولوجي، لأنه ببساطة تجاوز هذه المرحلة. كان مرشحاً باسم العدالة والتنمية، ثم انتقل، في “ميركاطو” سياسي مثير، إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب رئاسة الحكومة. انتقال لا يزعجه سؤال الانتماء ولا يثقله عبء القناعة، فقاعدته الوحيدة واضحة: «أنا مع الرابحة.. مهما كلف الثمن». السياسة هنا ليست موقفاً، بل اتجاه ربحي لا أكثر ولا أقل.

أما الحصيلة، فهي أصدق من كل الخطب؛ (6) ستة أسئلة شفوية فقط، طُرحت كلها تقريباً في صيف 2022، باستثناء سؤال يتيم في مطلع 2021، ولا واحد منها عن الفاجعة التي ضربت منطقته التي فوضته صوتها.. وكأن الحوز عاشت بعدها في اكتفاء كامل. أربع سنوات بيضاء، صامتة، جامدة، صاقعة، مثلجة.. بياض لا علاقة لها بالنقاء، بل يشبه بياض الثلج الذي يغرق جبال الحوز هذه الأيام، ثقيل، بارد، ويقتل الحياة.

وهذا الصمت يصبح أكثر فجاجة حين نستحضر الأرقام؛ 64.255 صوتاً وضعت لكورش في المرتبة الأولى بالحوز، بفارق ساحق عن منافسيه. اكتسح الدائرة، ولولا القاسم الانتخابي لحصل على مقعدين أو أكثر. تفويض شعبي ثقيل، لكن تمثيلاً برلمانياً خفيفاً إلى حد التلاشي. مباشرة بعد فوزه في انتخابات 2021، خرج المتصدّر بتصريح حماسي قال فيه إن “مصلحة ساكنة الحوز هي بوصلته في البرلمان، وإن تطلعاتها غايته”. تصريح جميل يصلح للافتتاحيات، لكن حصيلته الكارثية لا تترك مجالاً للشك: البوصلة كانت معطلة، أو ربما كانت تشير دائماً إلى اتجاه آخر.

الأدهى أن هذا الغياب لم يكن مجانياً؛ الأجر الشهري للنائب، مع التعويضات، كلف دافعي الضرائب إلى حدود اليوم ما يفوق 150 مليون سنتيم، دون احتساب التعويضات التكميلية والامتيازات.. 150 مليوناً مقابل ستة أسئلة شفوية طرحت جلها في صيف سنة واحدة، أي أن السؤال الواحد كلف ساكنة الحوز ما يعادل مشروعاً ضخمًا كان يمكن أن يُنجز في قرية نائية، أو طريقاً قروية، أو دعماً أولياً لضحايا الكارثة. لكن المال العمومي، مرة أخرى، اختار أن يُضخ في الصمت بدل أن يُستثمر في الإنقاذ..

في الحوز، لم تكن الكارثة طبيعية فقط؛ الكارثة الحقيقية هي هذا التناقض الفج بين حجم التفويض الشعبي وحجم الأداء البرلماني. بين جبال تهتز تحت أقدام سكانها، ونائب اختار أن يهتز مع موازين القوى لا مع آلام ناخبيه. هنا نفهم أن الزلزال كشف ما هو أعمق من تصدعات الأرض، كشف تصدعات التمثيل السياسي نفسه، حيث يتحول البرلمان من أداة مساءلة إلى كرسـي مريح، ومن صوت للمنكوبين إلى صمت مأجور.. اللهم زد وبارك في ذلك إلى أن يستفيق الناخب ويمنح صوته لمن يستحق، ويحاسب من أخلف الموعد..

مستمرون الى أن تشتعل مصابيح العقول.

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى