
حسين العياشي
مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية الحالية، وبينما نستعرض في مقالاتنا حلقات عن حصيلة عمل البرلمانيين، تصدرتها حصيلة النائبة ياسمين المغور، المثال الصارخ على “الوجود الشبابي الصوري” في البرلمان، يأتي الدور اليوم على النائب البرلماني هشام آيت منا، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، ليكمل هذا السجل المشرق من البرلمانيين “الكسالى” الذين اكتفوا بالتواجد الشكلي دون أن يتركوا أي بصمة فعلية على الساحة السياسية.
آيت منا، الذي دخل البرلمان ليصبح جزءًا من المشهد السياسي، اكتشف سريعًا أنه يمكنه أن يظل في “الصفوف الأمامية” دون أن يبذل جهدًا حقيقيًا، بل ربما حتى دون أن يحرك ساكنًا. وحصيلته ظلت بكماء، بسؤالين شفويين فقط طيلة أربع سنوات، وصفر سؤال كتابي، مقابل مليون ونصف درهم، وهو مجموع أجرته الشهرية الصافية لأربع سنوات من عضويته بمجلس التواب، دون احتساب التعويضات التكميلية.. مما يترك السؤال معلقًا: ما محل السّكون من الإعراب؟ أو بمعنى آخر، لم نحن هنا؟


منذ البداية، كان النائب آيت منا يعد المواطنين بانتقالهم إلى مرحلة جديدة من التنمية والاهتمام السياسي، مستغلاً الوعود الكبيرة التي أطلقها في حملاته الانتخابية. ولكن مع مرور الوقت، اكتشفنا أن أولوياته ليست التنمية أو التشريع، بل كما يبدو، هو مشغول أكثر بتحقيق أهداف أخرى ربما تكون أقرب إلى ملاعب كرة القدم منها إلى قبة البرلمان. نعم، في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن يكون ممثلًا للمواطنين، تميز آيت منا بحضوره اللامتناهي على الساحة الرياضية، وهو لا يشد الأنظار فقط في الملاعب، بل أصبح نجمًا في عالم الرياضة أكثر من كونه نجمًا سياسيًا.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالتجربة البرلمانية لآيت منا لم تقتصر على غيابه التام عن النقاشات والمبادرات التشريعية، بل تمت مأسسة هذا الغياب بشكل كوميدي أحيانًا. ففي إحدى الجلسات البرلمانية، وعندما قرر أخيرًا أخذ الكلمة، سار نحو المنصة بخطوات واثقة، وكأننا على موعد مع خطاب تاريخي سيغير مجرى الأحداث. لكن المفاجأة كانت كبيرة، فقد بدأ آيت منا في التلعثم، تهجى الكلمات، وعجز عن قراءة جمل بسيطة كانت مكتوبة أمامه بخط واضح. كان الارتباك واضحًا على وجهه، وكان الجميع في انتظار أن يخرج من هذه الورطة التي وقع فيها، لكنه قرر ببساطة أن يضحك على نفسه، وكأن الأمر لا يستدعي أكثر من ذلك. وكأن البرلمان مكانًا للترفيه والتسلية، لا للعمل الجاد أو تحمل المسؤولية.
منذ تلك اللحظة، اختار آيت منا الصمت الكامل. هو لم يلتزم بالوعود التي قطعها لمواطنيه، ولم يبذل أدنى جهد في تمثيلهم داخل البرلمان. عوض أن يسعى لتطوير مهاراته في القراءة أو يعكف على تعلم كيفية إلقاء كلمة واحدة بشكل لائق، اختار أن يظل في “منطقة الراحة” التي لا تكلفه شيئًا، ليصبح الصوت الذي غاب عن البرلمان، وحضورًا لا أثر له في قراراته.
لكن المفارقة الكبرى أن هذا الصمت في البرلمان يقابله حضور غير طبيعي في الملاعب. ففي الوقت الذي ننتظر منه أن يكون حاضرًا في الجلسات البرلمانية، تجده حاضرًا أكثر في أروقة الرياضة، يسعى جاهدًا ليظل في دائرة الضوء الإعلامي، محققًا نتائج رياضية قد يكون هو نفسه لا يتوقعها. وعلى الرغم من أن المواطن كان قد منح له الثقة على أساس تمثيله في البرلمان، إلا أن آيت منا وجد أن المقعد البرلماني لا يعادل أبدًا المقعد في الملعب.
يبدو أن آيت منا قد اكتشف، مثل العديد من زملائه البرلمانيين، أن البقاء في الواجهة السياسية لا يتطلب سوى حضورًا شكليًا وبعض الظهور الإعلامي، أما العمل الجاد والمشاركة الفعّالة في بناء الوطن فلا يعوّل عليه. فلا حاجة له لأن يعكر صفو الراحة بتحديات تشريعية، طالما أن هناك مدرجات تُصفق له، وكاميرات تلاحق كل خطوة يخطوها في عالم الرياضة.
وبالتالي، لا يسعنا إلا أن نترك التساؤل مفتوحًا: ماذا قد يكون قد تحقق لو أن النائب هشام آيت منا قرر أن يستثمر جزءًا من الوقت الذي يقضيه في الملاعب في خدمة البرلمان والمواطنين الذين منحوه أصواتهم؟ لو أن حضوره في البرلمان كان بقدر حضوره في الملعب، ربما كان ليترك بصمة حقيقية، بدلاً من أن يظل مجرد “وجود شكلي” في مؤسسة يفترض أن تمثل الشعب. ولكن ما دامت كرة القدم تتطلب الحضور، والبرلمان يتطلب الصمت، يبدو أن الخيار كان واضحًا بالنسبة له.





