الحلم الغارق.. مأساة محمد ومهاجرين آخرين على أبواب سبتة

حسين العياشي
في كل موجة ترتطم بصخور سبتة، تُروى حكايةُ حلمٍ غرق في عرض البحر، وحياةٍ شبابية انطفأت على أعتاب أوروبا. هذا ما تكشفه الأرقام المؤلمة التي أعلنتها السلطات الإسبانية مؤخراً، والتي أفادت بأن عدد المهاجرين غير النظاميين الذين لقوا حتفهم غرقاً أثناء محاولتهم السباحة نحو مدينة سبتة المحتلة ارتفع إلى 19 شخصاً منذ مطلع العام الجاري.
آخر ضحايا هذا الطريق المحفوف بالموت كان شاباً مغربياً يُدعى محمد.ح، لم يتجاوز العشرين من عمره. انطلق من مدينة تطوان، يحمل على كتفيه أمل أسرة صغيرة تتكون من والدته وشقيقته وشقيقه. لكن الأمل الذي حمله محمد بين ضلوعه، لم يصمد طويلاً أمام قسوة البحر.
عثرت السلطات الإسبانية على جثته طافية قبالة أحد شواطئ المدينة، متشبثة بعجلة مطاطية، في صورة مروعة تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي، وتركَت أثراً موجعاً في قلوب كل من شاهدها. لم يكن محمد سوى واحد من عشرات المهاجرين الذين يرتمون في حضن البحر، متسلحين بالأمل فقط، للهروب من واقع الفقر والبطالة، نحو مستقبل يبدو مشرقا على الضفة الأخرى.
السلطات أوضحت أن هذه الحصيلة الدامية تغطي الفترة ما بين 1 يناير و15 غشت الجاري، لكنها ليست كاملة، إذ أن التيارات البحرية قد تكون جرفت جثثاً أخرى نحو سواحل المغرب أو الجزائر، ولم يُعثر عليها بعد. وهناك مخاوف من أن يكون عدد المفقودين أكبر مما تشير إليه الأرقام الرسمية.
المأساة المستمرة على ضفاف سبتة تعكس وجهاً مأساوياً من واقع الهجرة السرية في شمال إفريقيا، وتطرح تساؤلات موجعة: كم من محمد آخر سيغرق قبل أن يجد هؤلاء الشباب طريقاً آمناً لتحقيق أحلامهم؟
ورغم كل ما في البحر من موت، يظل كثيرون مستعدين للمخاطرة، في رحلة تبدو من بعيد أقرب إلى الخلاص، لكنها في الواقع قد تكون آخر فصول حياتهم. هكذا، يواصل البحر كتابة فصول حزنه.. والضحايا، أسماء محفورة في ذاكرة أموجه.