السرار ل”إعلام تيفي”: 93 في المائة من قضايا الفساد تتعلق بالجماعات الترابية وتورط مسؤولين كبار

نجوى القاسمي
رغم مرور قرون على مقدمة ابن خلدون، إلا أن مقولاته لا تزال تقرع أجراس التنبيه في واقعنا المعاصر. فحين قال إن
“انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم”،
لم يكن يدرك أنه يصف، بدقة، ملامح أزمات اليوم. إذ إن مظاهر الفساد، في مختلف مناحي الحياة العامة، أصبحت واقعًا لا يمكن إنكاره، وهي من بين الأسباب الأساسية وراء تعثر مشاريع التنمية وفتور الثقة في المؤسسات.
من هنا، يرى كثيرون أن الأحزاب السياسية كان عليها التقاط الرسائل الواضحة الواردة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والعمل على تطهير صفوفها عوض الدخول في سجالات دفاعية عن ممارسات تكتنفها شبهات. ذلك أن الفساد إذا ما تسرب إلى الجسم الحزبي، وهو ما يبدو حاصلًا بالفعل، فإن الحديث عن الديمقراطية أو التنمية يصبح مجرد شعار بلا مضمون. إذ لا تنمية مع الفساد، ولا ديمقراطية مع أحزاب ضعيفة وفاقدة للثقة.
صرّح أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة عبد الغني السرار لموقع “اعلام تيفي” ، أن تفشي ظاهرة الفساد لا يُعدّ حكرا على المغرب، بل هو معطى كوني وعالمي. وفي هذا السياق، أوضح أن تقرير مؤشر مدركات الفساد لسنة 2024 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية “ترانسبرانسي” يُظهر استمرار المستويات المرتفعة للفساد عبر العالم، مع تعثر الجهود الرامية إلى مكافحته.
ولم يقف الأستاذ السرار عند هذا الحد، بل أضاف خلال حديثه لموقع اعلام تيفي أن المغرب بدوره تأثر بهذا الوضع، حيث تراجع ترتيبه في المؤشر العالمي من الرتبة 97 سنة 2023 إلى الرتبة 99 سنة 2024، مسجلا بذلك انخفاضا في معدل النقاط من 38 إلى 37 على 100. وهنا شدّد على أن هذا التنقيط، الذي يعتمد على مقياس من 0 إلى 100، كلما اقترب من الصفر دلّ على تفشي الفساد.
من جهة أخرى، أشار الأستاذ السرار إلى أن تقارير المؤسسات الدستورية المعنية بالافتحاص والرقابة المالية تُجمع على استفحال الفساد، خاصة على مستوى تدبير الشأن المحلي، ولا سيما في الجماعات الترابية، حيث أكد أن 93% من القضايا الرائجة أمام المجالس الجهوية للحسابات لها صلة بهذه الجماعات، ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة من بينها خروقات في الصفقات العمومية، ومخالفات في تدبير النفقات، والحصول على منافع غير مشروعة.
وارتباطا بذلك، أوضح أن الفساد في الجماعات الترابية لا يرتبط فقط بأسباب بنيوية، بل يتعداه إلى الجهل بالقوانين وعدم التكوين الكافي للمنتخبين والموظفين، وهو ما تؤكده المعطيات التي تفيد بأن عدد الملفات الرائجة بشأن التأديب المالي بلغ 253 ملفا حتى نهاية شتنبر 2024، شملت 115 رئيس جماعة وموظفين ورؤساء مؤسسات تعاون.
وفي هذا الصدد، شدّد الأستاذ السرار على أهمية التكوين والتكوين المستمر لفائدة المنتخبين والموظفين، مذكّرا بأن القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ينص في مادته 82 على اختصاص الجهة في الإشراف على هذا التكوين، لما له من دور أساسي في تمكين رؤساء الجماعات من ممارسة صلاحياتهم المالية في احترام تام للنصوص القانونية، مع ضرورة ترسيخ قيم الأخلاق والشفافية داخل المرفق العمومي.
كما انتقل الأستاذ السرار للحديث عن تدبير الدعم العمومي للأحزاب السياسية، حيث أبرز أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2024 أظهر اختلالات واضحة في تدبير الدعم المخصص للأحزاب برسم سنة 2022، حيث لم تتمكن خمسة أحزاب من تبرير 26% من نفقاتها، إلى جانب رصد نقائص على مستوى الوثائق المحاسباتية المدلى بها.
ورغم أن 24 حزبا قام بإرجاع مبالغ الدعم غير المستعملة أو غير المبررة، إلا أن 13 حزبا ومنظمتين نقابيتين لم تُرجع ما مجموعه 22 مليون درهم، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى احترام مقتضيات القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، لا سيما المواد 34 و43 التي تُلزم الأحزاب بإرجاع المبالغ غير المستحقة.
وبناء على ذلك، دعا الأستاذ السرار إلى تفعيل مقتضيات المادة 47 من نفس القانون، والتي تعتبر أي استخدام غير مشروع للتمويل العمومي اختلاسا للمال العام يُعاقب عليه بموجب القانون الجنائي، مؤكدا أن ربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي ترتيب الآثار القانونية على مثل هذه التجاوزات من أجل تعزيز جهود محاربة الفساد السياسي وضمان شفافية تدبير المال العام.
ظاهرة الفساد ….ظاهرة كونية بامتياز لم تختص بميدان واحد بل انتشرت في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحزبية وغيرها….لذا وسائل المكافحة لهذه الظاهرة تبقى محدودة لا من حيت آليات وقواعد التدخل ولا من حيت المكلفين بمحاربتها….وبالخصوص هؤلاء اامسؤولين ودعاة محاربة هذه الافة هم يشكلون اشكالية كبرى متداخلة مع اشكاليات الفساد في حد ذاتها ..