
ل.شفيق/ اعلام تيفي
لم تكن غزلان، الحرفية الآسفية التي اعتادت عرض أواني الفخار في سوق باب الشعبة، تتوقع أن يتحوّل عنصر حياتها اليومي إلى سبب فقدانها للحياة. لسنوات، شكّل الماء والطين أساس عملها في صناعة قِلَلٍ تقليدية تُستعمل لحفظ المياه وتبريدها، غير أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها المدينة عصر الأحد 14 دجنبر 2025 غيّرت هذا المسار بشكل مأساوي.
مع تزايد التساقطات، عاد واد الشعبة إلى الجريان بقوة غير مسبوقة، مخترقاً النسيج الهش للمدينة العتيقة، حيث تنتشر المحلات الصغيرة والمنازل المتواضعة بمحاذاته. وفي خضم هذا المشهد، جرفت السيول غزلان بشكل مفاجئ، بينما كان ابنها أمين يرافقها في السوق. نجا الابن من الموت، في حين اختفت والدته وسط المياه والأوحال، لتبدأ ساعات طويلة من البحث والترقّب.
ومساء الإثنين 15 دجنبر، انتهى الأمل مع العثور على جثة الضحية وقد لفظها بحر آسفي، في واقعة خلّفت صدمة واسعة بين الساكنة، وأعادت إلى الواجهة هشاشة الوضع البيئي والعمراني بالمدينة القديمة.
أمين، الذي عاش تفاصيل الحادث عن قرب، حاول التدخل لإنقاذ والدته، غير أن قوة السيول حالت دون ذلك. وفي تصريح إعلامي، روى لحظات الرعب التي عاشها وهو يشاهد المياه تبتلع المكان في ثوانٍ، مؤكداً أن سرعة الجريان وكثافة الأوحال جعلت أي محاولة للنجاة شبه مستحيلة.
ولا تقتصر تداعيات هذه الكارثة على أسرة واحدة، إذ تشير معطيات محلية إلى أن السيول التي اجتاحت أحياء متعددة من المدينة، من بينها باب الشعبة وبئر انزران وساحة أبو الذهب، أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 37 شخصاً، إلى جانب إصابات عديدة وخسائر مادية طالت ممتلكات المواطنين والتجار.
ويُجمع فاعلون محليون على أن واد باب الشعبة يعاني منذ سنوات من اختلالات هيكلية، أبرزها ضيق مجراه، وضعف تغطيته، وتراكم النفايات داخله، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه وارتدادها نحو المناطق السكنية. كما يزيد الموقع الجغرافي للمدينة العتيقة، المنخفض بين الهضبة والمحيط، من حدّة المخاطر خلال فترات التساقطات المكثفة.
داخل الأزقة الضيقة، تحوّلت الأمطار إلى تهديد مباشر لحياة السكان، في ظل بنية تحتية قديمة وقنوات صرف غير كافية، الأمر الذي جعل العديد من الأسر عالقة داخل منازلها لساعات طويلة.
ورغم التدخل السريع للسلطات المحلية وفرق الإنقاذ، وتعبئة الإمكانات المتاحة للبحث عن المفقودين وتأمين المناطق المتضررة، فإن حجم السيول وسرعة اندفاعها شكّلا تحدياً حقيقياً في الساعات الأولى.
تختزل مأساة غزلان صورة أوسع لمعاناة مدينة تواجه الطبيعة بإمكانات محدودة. فبين فخارٍ كان شاهداً على حياة بسيطة، وماءٍ تحوّل إلى خطر داهم، تظل هذه الفاجعة جرس إنذار جديد حول ضرورة إعادة التفكير في تدبير المخاطر الطبيعية، وحماية الأرواح في الأحياء الأكثر هشاشة.





