الملك محمد السادس يدعو تبون إلى حوار أخوي صادق لطيّ صفحة الخلاف

حسين العياشي

في بادرة تحمل رمزية سياسية وإنسانية عميقة، وجّه جلالة الملك محمد السادس دعوة صريحة إلى رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون للانخراط في «حوارٍ أخويّ صادق» بين المغرب والجزائر، حوارٍ يُغَلِّب منطق القرابة وروابط الأخوّة وحُسن الجوار على ما عداها من اعتبارات عابرة. الدعوة، بما تنطوي عليه من لغة هادئة ورسالة واثقة، ترمي إلى تجاوز تراكمات الخلاف وفتح صفحة جديدة قوامها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

لا يقتصر مضمون النداء على مجرّد تحسين الأجواء؛ بل يشي برغبةٍ في بناء معادلة تعاون واقعية تُخرِج العلاقات الثنائية من أسر التوتر إلى فضاء الفعل المشترك. فالمغرب والجزائر، بحكم الجغرافيا والتاريخ وتشابك النسيج الاجتماعي بين الشعبين، مدعوان إلى صياغة علاقة راسخة تستند إلى شراكات عملية في الأمن والتنمية والاقتصاد والثقافة، بما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين على جانبي الحدود.

ويستند هذا التوجّه إلى قناعةٍ راسخة بأن مستقبل المنطقة لا يُصاغ بالشعارات ولا بالتنافر، بل بإرادةٍ سياسيةٍ تُقدّم المصالح العليا لشعوب المغرب الكبير، وتفتح الباب أمام مشاريع تكاملية تُحسّن شروط العيش وتُحصّن الاستقرار وتُعيد الاعتبار لحلم الاندماج المغاربي. فكلّ خطوةٍ في اتجاه المصالحة تُقَرِّب العائلات الموزّعة وتُنعش المبادلات وتُعيد الثقة إلى مسارات التعاون الإقليمي.

إن الدعوة إلى الحوار ليست ترفاً دبلوماسياً، بل حاجةٌ استراتيجية تُدرِك أن ما يجمع الرباط والجزائر أكبر بكثير مما يفرّقهما، وأن لغة العقل والتواصل قادرة على تبديد الهواجس وتحصين الجوار من هزّات المنطقة وتقلباتها. ومن شأن إطلاق قنوات تفاوض هادئة، بمرجعيات واضحة وحسن نية، أن يرسّخ آليات لبناء الثقة ومعالجة الملفات الخلافية بروحٍ بنّاءة، بعيداً عن منطق القطيعة وأثمانها السياسية والاقتصادية.

بهذه الروح، يمدّ المغرب يده إلى الجزائر لإعلاء منسوب الحكمة، والانتقال من إدارة الخصومة إلى صناعة المستقبل المشترك. إنها دعوة مفتوحة إلى لقاءٍ يُراكم التفاهمات بدل الاتهامات، ويجعل من «صدق القرابة وروابط الأخوّة وحسن الجوار» بوصلته الوحيدة؛ فإذا استجابت الإرادات، تحوّل النداء إلى فرصة تاريخية لطيّ صفحة الماضي وكتابة فصلٍ جديد يليق بشعبين يتقاسمان الذاكرة والمصير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى