النيازك..رسائل من السماء تحطّ على أرض المغرب (ربورتاج)

فاطمة الزهراء ايت ناصر

من عمق الجنوب الشرقي للمملكة المغربية، حيث تمتد جبال الأطلس الصغير في سكونها الغامض، وتخفي الأرض تحت رمالها، وفوق صلابتها رسائل علمية قادمة من الفضاء، تنطلق رحلة شاب مغربي شغوف بالنيازك، يسعى إلى فكّ أسرار حجارة نزلت من السماء، تحمل في تركيبتها المعقدة وتاريخها معلومات قيمة عن الكواكب والأجرام السماوية البعيدة.

عثمان الكرش، طالب مجاز في علوم الأرض والكون، يُحدّق في حجر صغير بين يديه ويقول ل”إعلام تيفي”:
“أجريت بحث تخرّجي في الإجازة حول النيازك تحت إشراف الدكتور عبد الرحمان إبهي في جامعة ابن زهر، واخترت بتوجيه منه عنوان بحثي كالآتي: Les Météorites et les cratères d’impact associé :Exemple d’Afrique

أخذني الشغف للبحث عن هذه الأحجار التي تسقط من السماء، وكنت دائمًا مفتونًا بها، خاصة ذلك الحجر الذي سقط في منطقة تيسينت، والذي كشفت التحاليل المخبرية أنه قادم من كوكب المريخ.”

وأشار إلى أن نيزك تيسينت، الذي سقط سنة 2011، يعد من أندر النيازك على الصعيد العالمي، وقد أكدت تحاليله أنه ينتمي إلى المريخ، مما جعله موضوعًا للبحث العلمي في عدة جامعات في العالم.
وأضاف عثمان أن هنا مناطق بعينها في الجنوب الشرقي المغربي، خاصة بجهتيْ درعة تافيلات وسوس ماسة، معروفة بسقوط النيازك.

وأكد الطالب، أنه قام أثناء إعداد بحثه، بجولة استكشافية لهذه المناطق خاصة في إقليم ورزازات، طاطا، زكورة، أكدز،الرشيدية…وتمكن من تسجيل معلومات تفيد بسقوط نيازك في كل من تمضاخت إقليم ورزازات وأيت ساون إقليم أكدز و تسينت إقليم طاطا.

وأشار إلى أن المؤشرات العلمية تؤكد على أهمية هذه المناطق التي تعرف بشكل متواتر سقوط النيازك وغبار النيازك.

ونقصد بالغبار النيزكي ما يتناثر في السماء بسبب صغر حجم النيزك ويكون مجهريا خلال سقوطه، وحاليا لا يمكن الحصول عليه بيُسر إلا في المناطق التي يوجد فيها الثلج المتجمد على طول العام مثل القطب الشمالي للكرة الأرضية (سيبيريا مثلا في روسيا).

وكشف الطالب الباحث أن النيازك التي يعثر عليها غالبًا ما تنتمي إلى أنواع معروفة، من أبرزها “الكوندريت”، وهي نيازك تحتوي على مكونات أولية من النظام الشمسي التي يبلغ عمرها 4.56 مليار سنة، مما يجعلها من أقدم المواد المعروفة في النظام الشمسي ، وتُعتبر الأكثر سقوطا على سطح الأرض حيث تحتوي على حبيبات صغيرة تسمى الكوندر وهي التي تؤرخ لنا عمر النظام الشمسي.

كما توجد نيازك من نوع السيديريت، وهي غنية بالحديد والنيكل وبعضالمعادن الأخرى وبقايا مواد أخرى. وتُستخدم هذه النيازك في البحث العلمي من أجل معرفة أسرار الكون منذ نشأته. وتوجد أنواع أخرى نادرة من النيازك مثل التي تسقط من المريخ أو القمر أو عطارد( نيزك الجمال الأخضر) .

وبشأن العثور على أجزاء من هذه النيازك، يضيف عثمان، أن المهمة ليست دائمًا سهلة سواء في السفر إلى عين المكان (قد تكون أحيانا أماكن خطيرة يُنصح فيها بأخذ الحيطة مثل الجبال الوعرة، والصحراء الشاسعة…)أو أثناء مرحلة البحث والتقصي لأنها تحتاج إلى الصبر ودقة الملاحظة لتمييز الأجزاء النيزكية عن الأحجار الأرضية.

وأوضح أن التعرف على النيزك لا يتم فقط من خلال الشكل أو اللون أو شدة إنجداب المغناطيس ، بل يتطلب تحاليل مخبرية دقيقة، خاصة إذا تعرض الحجر لعوامل التعرية مثل الأمطار والحرارة والرياح.

وفي هذا الصدد يقول الباحث:”بعض النيازك تبقى فترات طويلة على سطح الأرض، مما يؤدي إلى تغيّر بنيتها الأولية التي تحتوي على معاذن تتعرض للتحول بسبب الظروف المناخية مثل الماء والشمس و الهواء…، وهو ما يُعرف بالتحوّل المعدني. أحيانًا، نصادف حجارة تحمل خصائص النيزك، لكننا لا نستطيع تأكيد أصلها إلا بعد دراستها في المختبر.”

وأشار إلى أن أكثر ما يميّز النيازك هو “القشرة المحترقة”، وهي طبقة رقيقة سوداء تتكوّن عندما يخترق النيزك الغلاف الجوي بسرعة هائلة، فتحتكّ الطبقة الخارجية للنيزك بالغلاف الجوي ويحدث احتراق بسبب وجود الأوكسجين وتتشكل عليها قشرة سوداء غالبا ، مع العلم أن بعض نيازك يصعب اكتشاف قشرته المحترقة الى غير ذلك من المميزات مثل ريكماكليبت، شدة إنجداب المغناطيس.

سلطنة عمان تعلن عن سقوط النيزك 'رجاء' على أراضيها | النهاروبخصوص ظاهرة سقوط النيازك يرى الطالب عثمان أنها نتيجة لتصادم كويكبات أو أجزاء من كواكب قديمة في الفضاء، فحسب ما جاء في أحد المراجع العلمية، فإن النيازك هي شظايا تنتج عن تصادم أجسام فضائية ضخمة، مثل الأحجار التي تدور حول الكواكب(ceinture des asteroid ) وخلال هذا التصادم تسقط هذه الشظايا سواء على سطح القمر أو عطارد أو المريخ إلخ… مشكلة أثرا فيها ( cratère d’impact ) كما يتم تطاير هذه الأجزاء خلال سفرها في الكون حاملة رسالة علمية خلال قربها من الغلاف الجوي للأرض حيث تقوم الجاذبية بعمل مهمتها فترسل لنا نيزكا من النوع المريخي أو القمري أو الحديدي أو الكوندريت… وتسقط في عدة مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، ومن أهمها شمال إفريقيا.

ورغم كل هذه المعطيات، لا يزال لغز تكرار سقوط النيازك في أماكن دون غيرها قائمًا. فقد كشف الباحثون أن إفريقيا، على سبيل المثال، تحتضن أكثر من سدس النيازك التي تم العثور عليها عالميًا، دون تفسير علمي حاسم لهذا التوزيع غير المتوازن.

وبنبرة طموحة قال عثمان: “أؤمن أن النيازك ليست مجرد حجارة، بل هي رسائل علمية من السماء، قد تحمل يومًا ما دلائل على وجود معالم حياة في كوكب آخر، أو وجود معادن جديدة لم يتم اكتشافها من قبل، أو وجود الماء أصل الحياة، أو كائنات حية من أعماق كواكب أخرى. وأسعى من خلال هذا البحث أن أساهم، ولو بقدر بسيط، في تطوير هذا المجال العلمي في المغرب.”

وتابع وهو يتأمل السماء: “من خلال تتبعي ودراستي لعالم النيازك، تأكدت أن المغرب ليس مجرد بلد يستقبل بين حين وآخر حجارة من السماء، بل هو فعليًا أحد أهم مواطن النيازك على مستوى العالم. موقعه الجغرافي في شمال إفريقيا، وتكرار الظواهر النيزكية فيه، جعله أرضًا خصبة لسقوط النيازك، التي لا تُقدَّر قيمتها فقط من حيث ندرتها، بل أيضًا من حيث وزنها العلمي وقيمتها المادية أيضا، إذ تُقيم أحيانًا أسعار بعض أنواعها بثمن خيالي للغرام الواحد .”

سقوط نيزك بضواحي الراشيدية يدفع عشرات المواطنين للبحث عن شظاياه (صور) - العمق المغربي

ويعتبر عثمان الكرش أن المغرب أصبح في السنوات الأخيرة وجهة مفضلة لعشرات الباحثين والصيادين والمغامرين الذين يتتبعون هذه الأحجار القادمة من أعماق الكون، خاصة في مناطقه الجنوبية حيث الصحراء المغربية الممتدة من كلميم إلى الكويرة تجعل من العثور على النيازك أكثر سهولة من مناطق أخرى بسبب وجود رمال حيث يحتفظ النيزك بجميع مكوناته لأنه لم يتعرض للكسر أثناء سقوطه في هذه الرمال الذهبية مقارنة مع سقوطه في الجبال أو في المحيط الأطلنتي.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى