الوردة تذبل من الداخل.. استقالات، انقسامات، وخطاب غاضب يزلزل بيت الاتحاد الاشتراكي

حسين العياشي
وسط صمت مطبق يخفي عاصفة داخلية، يتواصل نزيف الاستقالات في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في لحظة دقيقة يستعد فيها المغرب لدخول غمار الانتخابات التشريعية لسنة 2026. الشرارة التي فجّرت الغضب؟ استعداد الكاتب الأول إدريس لشكر لولاية رابعة، قرارٌ لم يهضمْه عدد من مناضلي الحزب، فقرروا مغادرة “الوردة الوردية”، منهم من اختار الصمت، وآخرون غادروا بصوت احتجاجي مدوٍّ.
آخر المنسحبين كان محمد أرحو، عضو المجلس الوطني للحزب وأستاذ التعليم العالي بجامعة تطوان. في رسالة رسمية، وضع الرجل حداً لمسيرته التنظيمية داخل الحزب، كما قدّم استقالته من قطاع التعليم العالي التابع للحزب. ليست مجرد استقالة عادية؛ فالرجل من الوجوه النقابية والسياسية المعروفة داخل الاتحاد، واستقالته قرئت على أنها رسالة مزدوجة: خيبة من القيادة، وإحباط من الطريق الذي تسلكه “الوردة”.
لكن أرحو لم يكن الأول، ولن يكون الأخير. قبله، اختار النقيب والمحامي علال البصراوي، منسق قطاع المحامين الاتحاديين، الانسحاب بهدوء، عقب مصادقة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر على تعديل مثير للجدل، وُصف بأنه “مفصل” على مقاس لشكر. التعديل طال المادة 217 من النظام الأساسي للحزب، وفتح باب الترشح لولاية إضافية، ما اعتبره الغاضبون “تحايلاً قانونياً” لتمديد القبضة على الحزب.
الخطاب الذي يسوّق له المقربون من لشكر، هو خطاب “الاستقرار التنظيمي” و”الاستعداد للاستحقاقات القادمة”، لكن في المقابل، يرى معارضوه أن ما يجري هو “انقلاب ناعم” على مبادئ التداول الديمقراطي داخل الحزب، وتحويله إلى جهاز فارغ إلا من رموز الطاعة والولاء.
وفي خضم هذه العاصفة، ارتفعت أصوات نسائية قوية من داخل الحزب. حسناء أبو زيد، البرلمانية السابقة وأحد أبرز الأصوات الاتحادية المعارضة، وجهت نقدًا لاذعًا لقيادة الحزب، وعلى رأسها إدريس لشكر. فقبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة، لم تتردد أبو زيد في طرح أسئلتها بصراحة: “هل يمكن أن تفتح الانتخابات القادمة باب الانبعاث السياسي؟ وعلى أي أسس سيتخذ الناخبون قرارهم؟”.
لكن خلف هذه الأسئلة، كانت رسالتها الحقيقية أكثر وضوحًا: لا تجديد سياسي في ظل استمرار نفس القيادة. أبو زيد عبّرت عن رفضها لما وصفته بـ”الهندسة المسبقة” لمؤتمر الحزب، الذي يُعدّ حسب تعبيرها مدخلاً لإعادة انتخاب إدريس لشكر، على رأس الاتحاد الاشتراكي لولاية رابعة، بطريقة تضرب مبدأ التناوب الداخلي وتؤسس لما يشبه “الاستمرارية القسرية”.
وفي نقد مباشر، وصفت القيادة الحالية بأنها فرّغت مفهوم الدولة الاجتماعية من مضمونه، وسمحت بانحراف المشروع السياسي الاتحادي نحو منطق التسويق الانتخابي والمضاربة بالمونديال وأزمات المعيشة، بدل الدفاع عن القيم الاتحادية الأصيلة. واستنكرت ما اعتبرته “تواطؤًا ضمنيًا” مع مشهد سياسي يغيب فيه التأطير الحقيقي، ويُترك فيه المواطنون فريسة لسطوة المال الانتخابي.
بالنسبة لحسناء أبو زيد، فإن الحديث عن استقرار الحزب تحت قيادة لشكر ليس إلا تغطية على أزمة ديمقراطية داخلية عميقة، وأن أي حديث عن “وحدة الصف” لا يجب أن يكون على حساب مبدأ التغيير الحقيقي والتداول النزيه على القيادة.
لكن الهجوم لم يتوقف عند أبوزيد. ميمونة الحاج داهي، صوت آخر من داخل البيت الاتحادي، فتحت النقاش على مصراعيه، ما استدعى رداً من مصطفى عجاب، عضو المكتب السياسي للحزب. في المقابل، خرج المسرحي محمد الزيات مدافعًا بقوة عن القيادة، ورافضًا لما وصفه بـ”التشويش الإعلامي والتحريض”، ومعتبراً أن من يهاجمون القيادة الحالية إنما يوجهون سهامهم إلى بيت احتضنهم يومًا.
الانقسام لم يعد خفياً. داخل الحزب، هناك من يرى أن المؤتمر القادم يُطبخ على المقاس، وأن الطريق ممهدة أمام لشكر للعودة من جديد، رغم أن الحزب لم يعد، بنظر كثيرين، سوى ظل لحزب كان. آخرون، رغم اختلافهم مع القيادة، آثروا الصمت، أو ينتظرون اللحظة المناسبة للكلام.
وخلف الكواليس، تطرح الأسئلة الكبرى: هل يمكن لحزب عريق كالاتحاد الاشتراكي أن يستعيد عافيته التنظيمية؟ هل ستتمكن النخب الغاضبة من قلب المعادلة؟ أم أن النتيجة محسومة سلفاً، والمؤتمر القادم سيكون “عرساً بلا عروس ديمقراطية”؟
بين من يرفع شعار “الوحدة من أجل الوطن”، ومن يتهم القيادة بـ”التحكم”، يبدو أن الوردة قد دخلت موسم الذبول.. والسؤال الذي يهم كل اتحادي: هل من بستاني قادر على إنقاذها؟