الوزيرة رشيدة داتي أمام القضاء الفرنسي بتهم الفساد وتضارب المصالح

حسين العياشي
تواجه وزيرة الثقافة الفرنسية الحالية، رشيدة داتي، فضيحة سياسية وقضائية مدوية، بعدما قرر قاضيان تحقيق في باريس إحالتها إلى المحاكمة بتهم تتعلق بـالفساد واستغلال النفوذ وتضارب المصالح، على خلفية علاقتها المهنية السابقة مع مجموعة رونو ورئيسها الأسبق كارلوس غصن.
ووفقًا لما كشفه القضاء الفرنسي، فإن داتي – التي كانت نائبة في البرلمان الأوروبي خلال الفترة ما بين 2009 و2019 – تلقّت مبلغ 900 ألف يورو بين سنتي 2010 و2012 من شركة RNBV، وهي الذراع القانونية للتحالف بين رونو ونيسان، بموجب عقد خدمات استشارية قانونية، وُصف لاحقًا من طرف المحققين بأنه مجرد غطاء لـ”اتفاق فساد” و”لوبي سياسي مدفوع الأجر”.
التحقيقات القضائية تشير إلى أن كارلوس غصن هو من هندس هذه الصفقة شخصيًا، وأن داتي شرعت في العمل لفائدة المجموعة مباشرة بعد مغادرتها لمنصب وزيرة العدل في حكومة نيكولا ساركوزي، رغم وجود مانع قانوني صريح يحظر على النواب الأوروبيين ممارسة أنشطة استشارية أو الدفاع عن مؤسسات تتلقى دعمًا ماليًا من الدولة.
ويشتبه القضاة في أن داتي مارست ضغوطًا داخل البرلمان الأوروبي لصالح رينو، دون أن تصرح بذلك رسميًا، وهو ما يشكل – بحسبهم – خرقًا واضحًا للواجب الأخلاقي وتضاربًا صارخًا في المصالح. ويستشهد التحقيق برسالة إلكترونية بتاريخ 5 يناير 2010، تبيّن أن داتي طُلب منها “العمل على منع الدعاوى الجماعية (class actions) في أوروبا، لما لها من تأثير مالي سلبي على شركات السيارات”.
وتوضح التحقيقات أن النشاط “الاستشاري” الذي تقاضت عليه داتي مئات الآلاف من اليوروهات لم يسجل له أي أثر ملموس، سوى لقاء يتيم مع أحد مسؤولي الديوان الدبلوماسي بقصر الإليزيه، بينما يُعتقد أن المقابل الحقيقي كان قدرتها على التأثير في التشريع الأوروبي لفائدة رونو والتحالف مع نيسان.
وفي معرض دفاعها، تتمسك رشيدة داتي وطاقمها القانوني بـأن القضية سقطت بالتقادم، بحكم أن المعلومات حول العقد كانت متاحة منذ أكثر من عشر سنوات. غير أن القضاة اعتبروا أن المعطيات الحاسمة حول العلاقة التعاقدية لم تكن متوفرة سوى لداتي وغصن فقط، مما يُسقط حجة التقادم قانونيًا.
قضية داتي، التي تتزامن مع استعدادات المشهد السياسي الفرنسي لاستحقاقات انتخابية مرتقبة، تفتح النقاش مجددًا حول أخلاقيات ممارسة المسؤولية السياسية، وحدود العلاقة بين القطاعين العام والخاص، واستقلالية العمل البرلماني عن المصالح الاقتصادية الكبرى، ومدى استقلالية القضاء على وجه الخصوص، وبهذا يكون القضاء الفرنسي قد أعطى للجميع، درسا عمليا في معنى ربط المسؤولية بالمحاسبة.





