انتشار ظاهرة التسول..المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يرصد مكامن الخلل
مروان عابيد
تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية التي شهدت انتشارًا ملحوظًا في العديد من المجتمعات ومن بينها المغرب، مما أثار الكثير من المخاوف والجدل حول أسبابها وآثارها.
وتعكس هذه الظاهرة العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأفراد والعائلات، وفي هذا المقال المفصل، سنستعرض أسباب انتشار هذه الظاهرة، تأثيراتها على المجتمع، وسبل التعامل معها .
ويروم المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي المساهمة في رصد هذه الظاهرة بجميع تجلياتها وأشكالها، وتحديد مسبباتها الرئيسية، كما يهدف إلى الوقوف على الإجراءات والبرامج العمومية المعتمدة من أجل التصدي لمظاهر التسول، على وجه الخصوص ، ومحاربة الفقر والهشاشة بصفة عامة وذلك مع الحرص على ضمان التوفيق بين: ⁃ احترام مقتضيات الدستور، لاسيما ما يتعلق بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية للأشخاص في وضعية تسول، دون أي تمييز⁃ واحترام النظام والأمن العام، من جهة ثانية.
أسباب انتشار التسول:
الفقر والبطالة: يعتبر الفقر من العوامل الرئيسية التي تدفع الأفراد إلى التسول. عندما يجد الناس أنفسهم في ظروف اقتصادية صعبة أو فقدوا وظائفهم، يلجؤون إلى التسول كوسيلة للبقاء.
الهجرة والنزوح: تؤدي النزاعات والحروب إلى موجات من الهجرة، مما يزيد من أعداد الأشخاص الذين يقصدون المدن الكبرى بحثًا عن ملاذ أو عمل، إلا أنهم يجدون أنفسهم في الشوارع.
وفي ما يتعلق بأماكن العيش: 31 في المائة من الأطفال المعنيين يعيشــون في غرفة مع أســرهم، و28 في المائة في منزل صفيحي، و19 في المائة في الشارع.
وبخصـوص البحث الوطني الذي أنجز سـنة ،2007 برز الفقر كسـبب رئيسـي للتسـول )51.8 في المائة (، وأخيرا الشغل )9.3 في المائة(. تليه الإعاقة ).
العوامل الاجتماعية: قد تتسبب العوامل الاجتماعية مثل التهميش والفصل الاجتماعي في دفع بعض الأفراد إلى التسول، حيث يشعرون بعدم الانتماء أو فقدان الهوية.
وعلاوة على ذلك، أظهرت نتائج الإســتشــارة المواطنة التي جرى إطلاقها على المنصــة التفاعلية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي “أشارك” (ma.ouchariko)، خلال الفترة من 7 إلى 28 يونيو ،2023 ما يلي: 99 في المائة من المشـاركات والمشـاركين يعتبرون التسـول ظاهرة اجتماعية خطيرة .
الأبعاد النفسية والاجتماعية:
التأثير النفسي: يعاني العديد من المتسولين من مشاعر الحرمان واليأس، مما يؤثر على صحتهم النفسية. كما أن العزلة الاجتماعية قد تزيد من تفاقم المشكلات النفسية.
صورة المجتمع: تعكس ظاهرة التسول صورة غير إيجابية عن المجتمع، حيث يظهر عدم التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي بين الأفراد.
السياسات العمومية المعتمدة في مواجهة ظاهرة التسول
يلاحظ أن السـلطات العمومية تواجه ظاهرة التسـول وفق ثالث مقاربات:
مقاربة غير مباشـرة، ذات صـبغة وقائيـة، من خلال البرامج الاجتماعية لمحـاربة الفقر والهشــــاشــــة. ثم مقـاربة مبـاشــــرة قائمـة على التكفل الاجتماعي، وأخيرا مقاربة زجرية، من خلال تجريم “التســول والتشــرد” بموجب الفصــول من 326 إلى 333 من مجموعة القانون الجنائي، باعتبار ذلك مسا بالأمن العام
وفي هذا الصدد، تندرج تدخلات الصندوقين المرصودين لأمور خصوصية: “صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي” و”صندوق التكافل العائلي“.
صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي ساهم صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، منذ إحداثه وإلى غاية متم شهر شتنبر ،2023 بغلاف مالي يبلغ 41.23 مليار درهم، في تمويل البرامج التالية على الخصوص.
تجدر الإشارة إلى أنه تم، حسب وزارة الاقتصاد والمالية ، ابتداء من فاتح دجنبر ،2022 تسجيل 19 جميع الأشخاص المستفيدين من نظام المساعدة الطبية “راميد” )بمن فيهم ذوو الحقوق(، بنظام التأمين الإجباري عن المرض “AMO- تضامن”، وتتحمل الدولة واجبات اشتراكهم. وقد تم صرف اعتمادات مالية تفوق 13.6 مليار درهم من صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي لفائدة نظام المساعدة الطبية “راميد”، منها 1.97 مليار درهم برسم سنة 2022.
برنامج “تيسير”: تم صرف أزيد من 11.8 مليار درهم لفائدة هذا ال برنامج الموجه لتقديم الدعم للأسر ومحاربة الهدر المدرسي، منها ما يناهز 10.38 مليار درهم برسم الفترة ما بين 2014 و2022 و1.43 مليار درهم برسم سنة 2023؛
مبادرة “مليون محفظة”: استفادت هذه المبادرة الرامية إلى محاربة الهدر المدرسي من اعتمادات مالية تفوق 2.82 مليار درهم، منها 285 مليون درهم برسم سنة 2023؛
برنامج دعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة: من أجل تفعيل هذا البرنامج، تم تحويل مبلغ يفوق 1.57 مليار درهم، برسم الفترة -2015 2023 لفائدة مؤسسة التعاون الوطني. وتجدر الإشارة إلى أنه، ابتداء من سنة 2022 تم رصد مبلغ 500 مليون درهم لفائدة هذا البرنامج، مقابل 206 ماليين درهم برسم سنة 2021؛
برنامج الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى : استفاد هذا البرنامج من اعتمادات مالية تناهز 4.3 مليار درهم، منها حوالي 335 مليون درهم تمت تعبئتها إلى متم شهر شتنبر ،2023 لفائدة الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، وهي الهيئة المكلفة بتدبير 19 وزارة الاقتصاد والمالية، “مشروع قانون المالية لسنة ،2024 مذكرة تقديم”، حيث بلغ عدد المستفيدين منه إلى غاية 13 شتنبر ،2023 130 الف رملة وما يفوق 2020 الف يتيما .
انطلاقا من هذا التشخيص، يرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الحد من ظاهرة التسول، يقتضي التنزيل المتجانس والمنسق لجملة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق هدفين، هما ضمان احترام مقتضيات الدستور، لاسيما في ما يتعلق ب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية تسول، دون أي تمييز واحترام النظام والأمن العام.
وتنتظم هذه الإجراءات، وعددها 14 إجراء أربعة محاور متكاملة:
-القضاء على جميع أشكال تسول الأطفال؛
⁃ حماية الأشخاص في وضعية هشاشة من الاستغلال في التسول؛
⁃ إعادة تأهيل وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية تسول؛
⁃ الوقاية من التسول
و تظل ظاهرة التسول مشكلة معقدة تتطلب تضافر الجهود من جميع فئات المجتمع. من خلال فهم الأسباب والعوامل المتعلقة بهذه الظاهرة، يمكننا العمل نحو إيجاد حلول فعالة تعيد للمتسولين كرامتهم وتساعدهم في تحسين حياتهم. إن التصدي لظاهرة التسول يحتاج إلى تعاون بين الأفراد والمجتمع ككل، لكي نضمن بناء مجتمع أكثر عدالة وتماسكًا.