بركة يعلن نهاية فوضى الدعم الفلاحي.. والكسّابة يردّون بخيبة أمل

حسين العياشي

وجّه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، انتقادات لاذعة إلى من وصفهم بالمتلاعبين بقوت الفلاحين ومربي الماشية، محذرًا من الممارسات التي أنهكت الإنتاج الوطني واستنزفت جيوب العاملين في القطاع. فقد دعا بركة إلى طيّ صفحة الفوضى التي طبعت منظومة الدعم الفلاحي، مؤكّدًا أن المرحلة المقبلة يجب أن تقوم على الجدية والمسؤولية الوطنية قبل أي اعتبار آخر.

وأوضح أن المضاربة في أسعار الأعلاف أصبحت كابوسًا يثقل كاهل المربين، إذ تشكل هذه الأسعار الجزء الأكبر من تكلفة الإنتاج، مما يجعل أي اضطراب فيها يهدد التوازن الاقتصادي للمجال الفلاحي بأكمله. وبرأيه، فإن استعادة الانضباط للسوق لم تعد خيارًا بل ضرورة، لضمان استمرار النشاط الحيوي الذي يشكل عماد الأمن الغذائي للمملكة.

وأشار بركة إلى أن الإحصاء الوطني الأخير للماشية كان محطة فارقة في مسار إصلاح القطاع، إذ أتاح لأول مرة تحديد عدد المربين الحقيقيين الذين يستحقون الدعم فعلاً، وكشف في المقابل عن المتطفلين الذين حولوا الدعم إلى مصدر مضاربة ومكاسب غير مشروعة. وشدّد على أن الدعم الفلاحي يجب أن يوجَّه إلى من يسهمون في تأمين الغذاء الوطني، لا إلى المضاربين الذين يتاجرون في القوت اليومي للمغاربة. ودعا إلى وضع حد نهائي للممارسات التي شوّهت سمعة القطاع وأضعفت مردوديته على مرّ السنوات.

لكن دعم الكسابة الذي يتحدث عنه المسؤول الحكومي لم يجد الصدى نفسه لدى المربين، الذين عبّر كثير منهم عن خيبة أملهم من مستويات الدعم “الهزيل”. فبحسبهم، لا تكفي هذه المبالغ حتى لتغطية مصاريف شهر واحد من الأعلاف، في ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار. ويخشى هؤلاء أن يؤدي ضعف الدعم إلى تكرار سيناريو سنة 2024، حين قفزت أسعار الأغنام إلى مستويات غير مسبوقة، ووجد المربون أنفسهم أمام خطر حقيقي يهدد استمرار القطيع الوطني، بفعل الكلفة الباهظة والجفاف المتواصل.

ويرى المربون أن المطلوب اليوم ليس دعمًا رمزيًا، بل تدخلًا فعليًا يغطي جزءًا معتبرًا من كلفة العلف، ولو مؤقتًا، حتى يتمكن القطاع من تجاوز أزمته واستعادة توازنه. فالأزمة، كما يقولون، لا تُعالج بالأرقام الصغيرة ولا بالوعود، بل بسياسة واقعية تعيد الثقة وتحمي صغار المربين من الإفلاس.

ويؤكد كثير من “الكسّابة” أن الحل الجوهري يبدأ من ضبط سوق الأعلاف ومواجهة الاحتكار الذي يرفع الأسعار بشكل مصطنع. فالدعم، في نظرهم، يجب أن يكون مشروطًا بتسقيف واضح للأسعار، حتى لا تتحول أموال الدولة إلى أرباح إضافية في جيوب لوبيات السوق. وبدون هذا التوازن، سيبقى الدعم بلا أثر ملموس، والميزانية العمومية تُستنزف دون أن يشعر الفلاح أو المستهلك بأي تحسن.

وهكذا يقف ملف الماشية في المغرب اليوم عند مفترق طرق حاسم: فإما أن يشكل الإحصاء الوطني للماشية منطلقًا فعليًا لإصلاح عميق يحقق العدالة الفلاحية ويعيد الثقة إلى الميدان، أو أن يستمر المشهد ذاته في التكرار كل موسم، حين تُنهك جيوب المربين وتُهدر الأموال العامة دون أن يتعافى القطيع الوطني أو تنخفض الأسعار في الأسواق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى