
حسين العياشي
قدّمت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان قراءة حادّة لفاجعة انهيار العمارتين السكنيتين بفاس، معتبرة أن ما جرى “ليس حادثًا عرضيًا”، بل حلقة جديدة في مسلسل يكشف هشاشة منظومة المراقبة في قطاع التعمير والسكن، ويعرّي اختلالات تراكمت على مرّ السنوات دون معالجة جذرية.
ودعت الرابطة، في بلاغها، إلى فتح تحقيق قضائي وإداري عاجل وشامل يحدّد المسؤوليات في كل مراحل الملف، من منح التراخيص إلى مراقبة الأشغال وتتبع حالة البنايات، مع التشديد على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة دون أي استثناء، سواء تعلق الأمر بمهنيين أو إداريين أو متدخلين آخرين كان لهم دور مباشر أو غير مباشر في هذه الكارثة.
المنظمة، طالبت بتعزيز آليات المراقبة التقنية للبنايات قبل السكن وبعده، والتصدي الحازم لظاهرة الغش في مواد البناء وعمليات التشييد، باعتبارها جريمة تمس الحق في الحياة بشكل مباشر، موازاة مع محاربة الفساد الإداري الذي يحول تراكمهُ بعض الخروق الصغيرة إلى كوارث عمرانية قاتلة.
وفي سياق متصل، أكدت الرابطة ضرورة تسريع وتيرة تدخلات الإنقاذ، وتعزيز الوسائل اللوجستية والبشرية للوقاية المدنية، وتحسين التنسيق بين السلطات المحلية والمصالح الصحية، بما يسمح بانتشال المفقودين وضمان الرعاية العاجلة للمصابين في ظروف أمثل.
كما ركز البلاغ على أن حماية حياة المواطنين ليست خيارًا تقنيًا، بل حق دستوري وكوني ينبغي أن يحتل صدارة أولويات الدولة ومؤسساتها، خاصة في لحظات المآسي الكبرى التي تُختبر فيها منظومة الحكامة وجودة التدبير.
وبالنظر لحجم الفاجعة، شددت الرابطة على أهمية أن تعبّر المؤسسات العمومية ووسائل الإعلام عن تضامنها العميق مع الأسر المكلومة، داعية إلى توقيف مظاهر الغناء والرقص والبرامج الترفيهية بالقنوات العمومية خلال هذه الفترة، معتبرة ذلك “حدادًا وطنيًا غير معلن” يليق بوجع الضحايا ويحترم مشاعر ذويهم.
كما طالبت بضرورة التزام وسائل الإعلام بالمسؤولية المهنية والأخلاقية في التغطيات الميدانية، وتجنب كل أشكال الإثارة التي تُعمّق ألم العائلات بدل مرافقتها.
ولم يتوقف البلاغ عند نقد اللحظة، بل قدّم تصورًا وقائيًا للمستقبل من خلال الدعوة إلى تشكيل لجان يقظة محلية لمراقبة البنايات القديمة والمهددة بالسقوط، وإطلاق برنامج استعجالي لإعادة إسكان الأسر المعنية، واعتماد خريطة وطنية للبنايات الآيلة للسقوط تُحدّث سنويًا، مع إشراك المجتمع المدني والخبراء في إعداد سياسات السكن الآمن.
بهذا الموقف، تعيد الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان طرح السؤال الجوهري الذي يطفو عقب كل فاجعة عمرانية: هل تتحرّك المنظومة نحو إصلاح حقيقي يمنع تكرار المشاهد ذاتها، أم سيظل الحزن يعيد نفسه في مدن مختلفة وبالطريقة ذاتها، بينما تستمر الاختلالات في صمت؟





