بين القاسم الانتخابي والدعم العمومي.. الأحزاب تكشف أوراقها استعداداً لانتخابات 2026

حسين العياشي

أخذ النقاش السياسي منحى أكثر وضوحًا وحيوية، مع اقتراب موعد انتخابات 2026، بعدما وضعت الأحزاب السياسية مذكراتها الإصلاحية على طاولة وزارة الداخلية، في سياق مشاورات تروم إعادة صياغة القواعد المؤطرة للعملية الانتخابية. ورغم أن بعض المقترحات بدت وكأنها تشكل أرضية مشتركة، إلا أن تفاصيل النقاش سرعان ما كشفت عن اختلافات عميقة بين الفرقاء، خاصة في ما يتعلق بالقاسم الانتخابي وطبيعة الجهة المشرفة على الاستحقاقات، إضافة إلى السبل الكفيلة بتوسيع مشاركة النساء والشباب ومغاربة العالم، فضلًا عن الجدل المرتبط بتمويل الحملات الانتخابية ورقمنة المسار برمته.

في هذا السياق، قدمت فيدرالية اليسار الديمقراطي، مذكرة إصلاحية ترتكز على مطلب رئيسي يتمثل في إحداث لجنة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية، على غرار ما هو معمول به في 79% من الدول عبر العالم، معتبرة أن إشراف وزارة الداخلية وحدها لم يعد كافيًا لضمان النزاهة. كما دعت إلى التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية لتوسيع قاعدة المشاركة، مبرزة أنه لا يعقل أن يكون هناك 27 مليون مواطن تتوفر فيهم شروط التصويت، بينما لا يصوت فعليًا سوى 5 ملايين فقط. المذكرة طالبت أيضًا باعتماد مناصفة فعلية في اللوائح الوطنية عبر ترتيب رجل ثم امرأة أو العكس، وإشراك مغاربة العالم من خلال دوائر خاصة بهم. أما في الشق المالي، فقد أوصت الفيدرالية بتقليص الدعم العمومي أو قطعه نهائيًا عن الأحزاب التي خرج من رحمها سياسيون متورطون في شبهات فساد.

أما حزب العدالة والتنمية، فقد تبنى موقفًا حازمًا ضد الصيغة الحالية للقاسم الانتخابي المعمول بها منذ 2021، معتبرًا أنها تفرغ الديمقراطية من مضمونها وتضعف القيمة الحقيقية للأصوات. ودعا الحزب إلى العودة إلى الصيغة التقليدية القائمة على قسمة عدد الأصوات الصحيحة على المقاعد مع اعتماد قاعدة أكبر البقايا، مؤكدًا أن إصلاح اللوائح الانتخابية وتحيينها ضرورة أساسية لضمان نزاهة العملية.

حزب التقدم والاشتراكية، اختار الاتجاه المعاكس، حيث أكد أمينه العام نبيل بنعبد الله أن القاسم الانتخابي الحالي هو “الأكثر ديمقراطية”، لأنه يوسع قاعدة التمثيل ويمنع احتكار القرار من طرف أقلية محدودة. ودعا الحزب، في مذكرته، إلى مراجعة شاملة لللوائح الانتخابية، محملًا المسؤولية للدولة والأحزاب والمواطنين على حد سواء في تخليق العملية الانتخابية. كما عبر عن دعمه لإشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، مع اقتراح إحداث هيئة مشتركة تضم ممثلين عن الأحزاب وقاضياً لضمان الشفافية.

حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذهب في منحى آخر، حيث جعل من تعزيز تمثيلية النساء حجر الزاوية في مذكرته الإصلاحية. فالحزب يقترح تخصيص 132 مقعدًا للنساء داخل مجلس النواب، وإلزام الأحزاب بترشيح 50% من النساء محليًا، بما يسمح لهن بخوض المنافسة بشكل مباشر داخل الدوائر، بدل الاكتفاء باللوائح الوطنية أو الجهوية. كما دعا إلى اعتماد لوائح إقليمية خاصة بالنساء لضمان عدالة تمثيلية أوسع. مذكرة الاتحاد تضمنت أيضًا مقترحات عملية مرتبطة بتحيين اللوائح، تخليق العملية الانتخابية، عقلنة الدعم العمومي، وتطوير التواصل الانتخابي، لكنها حرصت على إبراز قضية المناصفة كجوهر مشروع الإصلاح.

ومن جهته، طرح حزب الخضر، مقترحات أكثر جرأة أثارت الكثير من الجدل، أبرزها الدعوة إلى إقرار إجبارية التصويت باعتباره واجباً وطنياً، مع السماح بحق التنازل الكتابي أو الرقمي عن ممارسته. كما اقترح الحزب الرفع من قيمة الدعم العمومي للأحزاب المشاركة في الانتخابات من 75 مليون إلى 200 مليون سنتيم، وتوزيعه وفق معايير دقيقة مرتبطة بعدد المقاعد والأصوات وتمثيلية النساء والشباب. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ طالب الحزب بمراجعة التقطيع الانتخابي استناداً إلى نتائج الإحصاء العام لسنة 2024، واعتماد التسجيل التلقائي في اللوائح عبر البطاقة الوطنية. وفي بعد رمزي، شدد على ضرورة جعل يوم الاقتراع عطلة رسمية لتيسير المشاركة، وإحداث شرطة خاصة لمراقبة الحملات الانتخابية. كما دافع الحزب عن تخصيص دوائر لمغاربة العالم، مع إمكانية التصويت الرقمي عن بعد، وأوصى بآليات تحفيزية للأحزاب التي تقدم كفاءات نسائية وشبابية ضمن لوائحها.

في حين، ركز حزب الاستقلال في مذكرته على الالتزام بالمسار الإصلاحي الذي دعا إليه جلالة الملك، معتبرًا أن نجاح الاستحقاقات المقبلة مرهون بتوفير شروط النزاهة والشفافية والتنافس الشريف. وأكد الحزب على ضرورة تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، ورفع مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة. كما شدد على أن الإصلاح ينبغي أن يشمل مختلف الأبعاد القانونية والمؤسساتية والمالية والإعلامية، في أفق بناء مشهد سياسي متجدد يعكس طموحات المغاربة.

بهذا التنوع في المواقف والمقترحات، يبدو أن النقاش حول الانتخابات المقبلة لا يقتصر فقط على التفاصيل التقنية أو القانونية، بل يعكس صراع رؤى أعمق حول كيفية بناء مشهد سياسي أكثر عدلاً وتمثيلية، يوازن بين نزاهة القواعد الانتخابية واستيعاب تطلعات النساء والشباب ومغاربة العالم. وبين هذه التباينات، تظل وزارة الداخلية في قلب المعادلة، باعتبارها الجهة التي تشرف على صياغة المنظومة الجديدة، وضمان جاهزية البلاد لاستحقاقات 2026.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى