بين النص الدستوري ومقترح الحكم الذاتي: هل يمكن التنزيل داخل الإطار الدستوري الحالي؟

حليم صلاح الدين
باحث متخصص في العمل البرلماني
يجب أن نؤكد بداية أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 خالية من أي عبارة تتعلق بالحكم الذاتي، سواء بشكل واضح وصريح، أو مما يمكن أن تستبطنه المادة الدستورية.
ومقترح الحكم الذاتي، كمبادرة قدمها رئيس الدولة سنة 2007 لهيئة الأمم المتحدة، بهدف الوصول إلى حل نهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، هو وثيقة لإطلاق مبادرة، غير مشروطة بتناول تفاصيل التنزيل والأجرأة، ولذلك كان عنوانها الكبير هو التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي، وارتبطت خطوطها العريضة ببناء هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية في ظل حكم ذاتي لمغاربة الصحراء، إلى جانب إحداث إدارة محلية وشرطة محلية ومحاكم جهوية، “ضمن وحدة النظام القضائي الوطني”، وكذا ميزانية ونظام جبائي مستقل، لتحتفظ الدولة لنفسها بمقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، إلى جانب الاختصاصات الدستورية للملك، بصفته رئيس الدولة وأمير المؤمنين، وكذا الحفاظ على منظومة الأمن الوطني والدفاع والعلاقات الخارجية.
واعتبارا لضرورة إحداث حكومة وبرلمان جهوي ومحكمة عليا لجهة الحكم الذاتي، فإن الوثيقة نفسها، المعروضة على نظر الأمم المتحدة، والتي أيدها بشكل حاسم مجلس الأمن في قراره الأخير، وجعلها أساس التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول لطرفي النزاع، قد حسمت في شرط مراجعة الدستور المغربي، في ظل دستور سنة 1996، الذي كان ساري النفاذ بتاريخ الإعلان عن مبادرة الحكم الذاتي، وذلك بهدف إدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام المستجد، وإحلاله المكانة الخاصة واللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.
اليوم، وفي ظل دستور سنة 2011، نجد أنفسنا أمام الفرضيات التي يطرحها الباب الثالث عشر من هذه الوثيقة الدستورية، إذ لم يتناول بالمنع في الفصل 175 سوى ما تعلق بمراجعة الدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية التي نص عليها. ولذلك، فمجال الحكم الذاتي، باعتباره نموذجا للحكم الجهوي في ظل السيادة المغربية، لا يقع تحت طائلة المنع، ويجوز إدراجه ضمن المواضيع التي يمكن مراجعة الدستور في شأنها.
وترجح على هذا المستوى فرضيتان: الفرضية الأولى تتعلق بمشروع مراجعة الدستور الذي يعرضه جلالة الملك على الشعب بظهير قصد الاستفتاء، وتكون هذه المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء.
أما الفرضية الثانية فتتعلق بإمكانية عرض الملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور على البرلمان.
أما الفرضية المستبعدة فهي تلك التي تتعلق بمقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان، اعتبارا للنصاب المطلوب له، ولمسطرة نفاذه التي تحتاج إلى شرط الإحالة المكوكية والعرض على نظر المجلس الوزاري بعد التداول في موضوعه بمجلس الحكومة.
إن مراجعة الدستور مسألة حتمية في موضوعنا، والشروط الشكلية والموضوعية سانحة للقيام بذلك، لكن من الضروري انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات مع الأطراف الثلاث الأخرى للنزاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى