بين بايتاس والسكوري وبرادة.. حكومة أخنوش تفقد بوصلتها بشأن تسقيف سن التوظيف

حسين العياشي

في مشهد سياسي يثير الكثير من التساؤلات، ظهر مصطفى بايتاس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، أمام عدسات الكاميرات وهو يدافع بثقة عن قرار تحديد سن الولوج إلى مباريات التعليم في ثلاثين سنة. برّر بايتاس هذا الإجراء بكونه جزءًا من استراتيجية حكومية تهدف إلى إعادة توجيه الشباب نحو قطاعات أخرى، في محاولة لتبرير خيار حكومي أثار جدلًا واسعًا بين فئات الشباب.

غير أن هذه التصريحات لم تلبث أن فقدت وزنها السياسي، بعدما خرج وزير التشغيل والإدماج الاقتصادي، يونس السكوري، ليقدم موقفًا مختلفًا تمامًا. فقد أعلن بشكل واضح أن قطاع التكوين المهني يتجه نحو إلغاء شرط السن، ملمحًا إلى وجود اختلافات جوهرية داخل مكونات الأغلبية الحكومية بشأن سياسات الشباب. جاء ذلك في وقت تتصاعد فيه احتجاجات “جيل زد” وتتعالى الأصوات الشبابية المطالبة بمراجعة قرار التسقيف، محذّرة من عواقب إقصاء آلاف الخريجين من فرص التشغيل العمومي.

ولم يتوقف التضارب الحكومي عند هذا الحد، إذ دخل على الخط محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مؤكدًا أن وزارته ستعيد النظر في القرار ذاته، وأن الحسم فيه سيتم قبل موعد المباريات الرسمية. هذا التصريح أضاف مزيدًا من الضبابية إلى المشهد، وكشف عن ارتباك واضح في الموقف الحكومي، ما يطرح تساؤلات حول مدى انسجام مكونات الحكومة وقدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية متناسقة، خصوصًا في الملفات الحساسة التي تمس ثقة الشباب في مؤسسات الدولة.

ورغم محاولات الوزير برادة تهدئة الأجواء بالإشارة إلى أن الإصلاح الحقيقي للمنظومة التعليمية يحتاج إلى موارد مالية ضخمة، وكشفه عن رفع ميزانية التعليم إلى 97 مليار درهم في قانون المالية لسنة 2026، فإن هذا التبرير المالي لم يكن كافيًا لطمأنة الرأي العام. فالانقسام بين الوزراء بدا جليًا، كما أن الارتباك الحكومي عمّق من شعور الإحباط لدى الشباب، الذين وجدوا أنفسهم أمام مشهد سياسي متناقض لا يقدم رؤية واضحة لمستقبلهم، الأمر الذي بات يقتل فيهم الأمل يوم بعد يوم.

بين من يدافع عن تسقيف السن ومن يلمّح إلى التراجع عنه، يظل السؤال الجوهري مطروحًا بإلحاح: هل الحكومة تتحدث بصوت واحد عندما يتعلق الأمر بالشباب وفرصهم، أم أن كل وزير يعبر عن موقفه الشخصي بمعزل عن التوجه العام؟ هذا التباين لا يعكس فقط خللًا في التنسيق الداخلي، بل يهدد استقرار السياسات العمومية ويقوّض الثقة في قدرة الحكومة على إدارة ملفات مصيرية.

في نهاية المطاف، يظهر هذا التناقض الحكومي كمؤشر مقلق على هشاشة القرار السياسي، ويفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مصير فئة واسعة من الشباب الذين يجدون أنفسهم ضحية تضارب المواقف داخل الجهاز التنفيذي. وبينما ينتظرهم المجتمع ليكونوا عماد المستقبل، يظلون عالقين بين وعود غير منسقة وخيارات حكومية متذبذبة لا تمنحهم سوى مزيد من القلق والارتباك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى