بين طموح التنمية وواقع المديونية.. العمدة الرميلي تبحث عن توازن مفقود

حسين العياشي

لم يكن التصويت على الشطر الثالث من القرض الإضافي الذي حصلت عليه جماعة الدار البيضاء من البنك الدولي مجرّد إجراء مالي روتيني، بل مؤشراً جديداً على استمرار اعتماد المدينة على التمويل الخارجي لتغطية حاجاتها التنموية، في مفارقة تكشف عن عمق الاختلال بين طموح المشاريع وهيكلة الموارد المحلية.
ففي جلسة طبعها النقاش الحاد وتفاوت المواقف، صادق مجلس جماعة الدار البيضاء بأغلبية واسعة على مشروع ميزانية 2026، الذي قدمته العمدة نبيلة الرميلي باعتباره “إطاراً يقوم على مبدأي التوازن والنجاعة”. غير أن قراءة متأنية في تفاصيل هذا المشروع تُظهر أن “التوازن” الذي تتحدث عنه الرميلي لا يزال هشاً، قائماً على قروض جديدة بدل مداخيل ذاتية متينة.

القرض الذي اعتُبر في البداية وسيلة لدعم البنيات التحتية ذات الأولوية، تحول مع الوقت إلى أداة لامتصاص العجز وتمديد عمر التوازن المالي الهش للجماعة، وسط تساؤلات حول مدى قدرة المدينة على الخروج من دائرة المديونية المتكررة. فالمجلس لم يكتف بإقرار القرض، بل صادق أيضاً على تحويلات مالية بين فصول الميزانية، وإلغاء اعتمادات من ميزانية التجهيز لسنة 2025 لإعادة برمجتها في السنة نفسها، في إشارة إلى ارتباك في أولويات الصرف وإعادة ترتيب الأرقام أكثر من إعادة بناء الرؤية.

الرميلي دافعت عن توجهها المالي، معتبرة أن ميزانية 2026 تندرج في إطار التوجيهات الملكية الداعية إلى ترشيد النفقات وتكريس الحكامة الجيدة، مؤكدة أن الدين المرتقب سيصل إلى حوالي 430,7 مليون درهم. لكنها لم تُخفِ الحاجة إلى “الموازنة بين الالتزامات والموارد، وبين حاجات المقاطعات المختلفة والمشاريع الكبرى”، في اعتراف ضمني بصعوبة التحكم في توازنات مالية معقدة وسط ضغط متزايد على الخدمات الحضرية.

أما على صعيد المداخيل، فتتحدث الأرقام الرسمية عن ارتفاع في موارد التسيير إلى 5,2 مليارات درهم، بزيادة 4% مقارنة بالسنة السابقة، مع فائض متوقع يناهز 692,9 مليون درهم، وميزانية تجهيز تبلغ 782,9 مليون درهم. غير أن هذا الارتفاع النسبي لا يخفي هشاشة القاعدة الجبائية التي تظل رهينة ضعف التحصيل وتعقيد المساطر، رغم ما تشير إليه الرميلي من مجهودات لتعزيز الموارد الذاتية وتوسيع الوعاء الضريبي وتثمين الممتلكات الجماعية.

في العمق، تكشف ميزانية 2026 عن استمرار الإشكال البنيوي ذاته: مدينة تستهلك أكثر مما تنتج، وتبني مشاريعها التنموية على قروض تسعى إلى الحفاظ على توازنات شكلية أكثر مما تؤسس لنمو حقيقي. وبين لغة الأرقام التي تتحدث عن المليارات، وحقيقة المرافق التي تعاني أعطاباً مزمنة، تظل الدار البيضاء تبحث عن توازن صعب بين الإنفاق والاستثمار، بين الحلم بالحداثة وواقع الموارد المحدودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى