
إعلام تيفي
جاء تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) لعام 2025، في ظل خطاب عالمي متزايد حول تراجع معدلات الولادة، ليسلط الضوء على جانب مغاير من هذه الأزمة، إنها حرية الإنجاب المُقيَّدة.
فحسب المعطيات المقدمة خلال حفل إطلاق التقرير، بالعاصمة الرباط، الذي نُظم بشراكة مع المندوبية السامية للتخطيط، فإن واحداً من كل ثلاثة مغاربة يُصرّح بأنه أنجب عدداً أقل من الأطفال مما كان يطمح إليه، ليس بسبب اختيارات شخصية، بل نتيجة إكراهات اقتصادية واجتماعية ومؤسساتية.
مارييل ساندر، ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، أكدت في تصريح صحفي أن “الانخفاض في معدلات الخصوبة لا يعكس دائماً تحوّلاً طوعياً في نمط الأسرة، بل غالباً ما يُخفي اختيارات قسرية مرتبطة بعوائق عدة، من أبرزها صعوبة التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية، غياب الدعم الاجتماعي، وتكاليف المعيشة المرتفعة”.
الدراسة شملت 14 بلداً من بينها المغرب، وكشفت أن الأسباب التي تدفع الأسر لتقليص عدد أطفالها المرغوب فيه تتراوح بين الضغط الاقتصادي، ونقص السياسات العمومية المرافقة للأسرة، خصوصاً فيما يتعلق برعاية الأطفال والخدمات الصحية، بالإضافة إلى استمرار الأدوار النمطية بين الجنسين، التي غالباً ما تجعل من المرأة الطرف الوحيد المسؤول عن الإنجاب والتربية، مما يُثقل كاهلها ويُؤثر سلباً على قراراتها الإنجابية.
وإذا كانت بعض التحليلات تُفسّر انخفاض الخصوبة كنتيجة لتحرّر النساء وتحقيق المساواة، فإن مارييل ساندر ترفض هذا الربط المباشر، مؤكدة أن “ما نلاحظه ليس تحوّلاً حرّاً بقدر ما هو اختزال للرغبة في الإنجاب بفعل شروط اجتماعية غير مواتية”.
وفي هذا السياق، يدعو صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى مقاربة شمولية ترتكز على تسهيل الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، تحسين ظروف العمل والإجازات العائلية، تشجيع التوزيع العادل للأدوار الأسرية، ثم وضع سياسات عامة تُراعي تنوع رغبات الأسر المغربية.
هذا الطرح يتماشى مع الرؤية الملكية الهادفة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان تكافؤ الفرص، خصوصاً في ظل التحولات السوسيو-اقتصادية يعيشها المغرب، والتي تُعيد تشكيل مفهوم الأسرة والإنجاب.
تقرير UNFPA يدق ناقوس الخطر، ليس لأن المغاربة ينجبون أقل، بل لأنهم لا ينجبون بالكيفية التي يرغبون بها. وهو ما يجعل من تعزيز الحق في الاختيار الحر والمتكافئ أولوية لصياغة سياسات أسرية عادلة ومنصفة.





