ثلث فقط من الشباب في سوق الشغل.. أرقام المندوبية تكشف تهميش الفئة العمرية الحيوية

حسين العياشي

تكشف أحدث المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط صورة قاتمة عن اندماج الشباب المغربي في سوق الشغل، إذ لا تتجاوز نسبة النشيطين المشتغلين من الفئة العمرية بين 15 و34 سنة 33,7% من إجمالي القوة العاملة، في بلد تمثل فيه هذه الفئة أزيد من ربع السكان. وهو ما يعكس إخفاقًا واضحًا في ترجمة شعارات إدماج الشباب إلى واقع ملموس.

الأكثر إثارة للقلق هو أن الفئة الأصغر سنًا، أي ما بين 15 و24 سنة، لا تمثل سوى 7,6% من حجم الشغل، بينما تشكل الفئة بين 25 و34 سنة 26,2% فقط، رغم كونها الشريحة الأكثر حيوية وقدرة على الإنتاج. هذا الخلل البنيوي يعكس صعوبات جمة في ولوج الشباب إلى سوق الشغل، لا سيما في ظل بطء إصلاح أنظمة التكوين وضعف مواءمة مخرجاته مع حاجيات الاقتصاد الوطني.

على مستوى المؤهلات، تكشف الأرقام أن 47% من النشيطين المشتغلين لا يتوفرون على أي شهادة، مقابل 33,2% فقط حاصلين على شهادة متوسطة و19,8% بشهادة عليا. هذا التوزيع يعكس خللاً مزدوجًا: أولًا، ضعف منظومة التعليم والتكوين، وثانيًا، عدم قدرة حاملي الشهادات العليا على إيجاد فرص تتناسب مع مؤهلاتهم، ما يعزز ظاهرة “هدر الكفاءات”.

أما من حيث القطاعات المشغّلة، فما زال قطاع الخدمات يهيمن على سوق العمل بنسبة 49,2%، متبوعًا بالفلاحة والصيد بـ25%، ثم الصناعة بـ13,2%، وأخيرًا البناء بـ12,5%. التوزيع الجغرافي يؤكد الفوارق الصارخة: في الحواضر، يعمل 65,9% من النشيطين بقطاع الخدمات، بينما يشتغل 59,9% من سكان القرى في الفلاحة، مما يعكس هشاشة التركيبة القطاعية في المجال القروي واعتمادها على أنشطة موسمية وضعيفة المردودية.

في سياق جودة الشغل، تُظهر الأرقام أن 9,3% من النشيطين يزاولون أعمالاً غير مؤدى عنها، النسبة ترتفع بشكل حاد لدى النساء بـ24,4%، ولدى القرويين بـ21,5%، ما يكشف هشاشة مزدوجة على أساس النوع والمجال.

الأرقام المتعلقة بالحماية الاجتماعية لا تقلّ دلالة، حيث يستفيد فقط 31,1% من النشيطين من التغطية الصحية المرتبطة بالشغل، بنسبة أفضل في المدن (42,4%) مقارنة بالقرى (12,3%). المفارقة أن النساء يتمتعن بنسبة تغطية أعلى (63,1%) مقارنة بالرجال (42,4%)، ما قد يُفسر بالتركيز النسبي على القطاع العام أو الوظائف الرسمية.

مجمل هذه المؤشرات يعكس أزمة عميقة في سوق الشغل المغربي، عنوانها الأبرز: ضعف الإدماج، هشاشة التشغيل، وانعدام الحماية الاجتماعية لفئات واسعة، خاصة من الشباب والنساء والقرويين. وهي وضعية تستوجب من صناع القرار تجاوز المقاربات التقنية الظرفية، والانتقال إلى إصلاحات جذرية تضمن الإدماج الفعلي واللائق لفئة الشباب التي تظل رهان المغرب التنموي الأساسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى