“جيل Z” يعلّق احتجاجاته: هدنة تكتيكية في انتظار إصلاحات ملموسة

حسين العياشي

في مشهد غير مسبوق داخل المشهد الاجتماعي المغربي، أعلن “GenZ 212″، عن تعليق احتجاجاته التي عمّت مدن المملكة منذ نهاية شتنبر، بعد الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى البرلمان، ودعا فيه إلى تسريع أوراش الصحة والتعليم وتعزيز العدالة الاجتماعية.

قرار التوقف، لم يكن انسحابًا بقدر ما هو هدنة محسوبة. ففي بيان مقتضب، وصف أعضاء الحراك هذه الخطوة بأنها “مرحلة استراتيجية” تهدف إلى إعادة تنظيم الصفوف وتطوير أدوات التنسيق، استعدادًا لمرحلة جديدة من التعبئة “أكثر نجاعة وتأثيرًا”.

لكن خلف هذا الهدوء المؤقت، ما تزال المطالب الأساسية على حالها: محاربة الفساد، محاسبة المسؤولين، وتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للشباب. الحركة التي استطاعت أن تجمع أكثر من 200 ألف عضو على منصة “ديسكورد”، أكدت أنها ستعود قريبًا إلى الشارع بنداء جديد للتعبئة، سيكون هذه المرة موجهًا ضد الحكومة وكل من تورط في الفساد، على حد تعبيرها.

انبثق هذا الحراك الشبابي بعد حادث مأساوي هزّ الرأي العام، حين توفيت ثماني نساء حوامل في مستشفى بأكادير، ليصبح شرارة أشعلت غضب جيل وُلد في زمن الإنترنت، لكنه يواجه تحديات البطالة، وغلاء المعيشة، وتراجع الخدمات الأساسية. في ظرف أيام، نجح “GenZ 212” في فرض نفسه كصوت جديد خارج الأطر الحزبية والنقابية، متجاوزًا قنوات التعبير التقليدية، وموجّهًا خطابه مباشرة إلى المؤسسة الملكية باعتبارها الضامن للإصلاح.

وفي اليوم الموالي لخطاب الملك أمام البرلمان، والذي شدد فيه على ضرورة تجسيد العدالة الاجتماعية والمجالية وتحسين منظومتي الصحة والتعليم، التقط الحراك الرسالة، فاختار التريث بدل التصعيد، في ما يشبه ردًّا واعيًا ومسؤولًا على دعوة السيادة إلى تسريع الإصلاحات الاجتماعية.

بهذه الهدنة، يدخل “GenZ 212” مرحلة جديدة قد تعيد رسم ملامح العلاقة بين الدولة وشبابها. فبين خطاب ملكي يدعو إلى الفعل، وحركة شبابية تتطلع إلى التغيير، يتشكل مشهد اجتماعي جديد تتقاطع فيه الشرعية المؤسساتية مع الشرعية الشعبية الرقمية.

الأسابيع المقبلة وحدها ستكشف ما إذا كانت هذه الاستراحة الهادئة مقدمة لتفاعل حقيقي مع مطالب الشباب، أم سكونًا مؤقتًا قبل موجة جديدة من الاحتجاجات تحمل نفس الشعار: الكرامة، العدالة، والإصلاح الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى